* (رب السماوات والأرض وما بينهما الرحم ن لا يملكون منه خطابا * يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحم ن وقال صوابا * ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا * إنآ أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يليتني كنت ترابا) * أي: الذي أعطاهم هذه العطايا هو ربهم * (رب السماوات والأرض وما بينهما) * الذي خلقها ودبرها * (الرحمن) * الذي رحمته وسعت كل شيء، فرباهم ورحمهم، ولطف بهم، حتى أدركوا ما أدركوا. ثم ذكر عظمته وملكه العظيم يوم القيامة، وأن جميع الخلق كلهم ساكتون ذلك اليوم لا يتكلمون، و * (لا يملكون منه خطابا) *، إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، فلا يتكلم أحد إلا بهذين الشرطين: أن يأذن الله له في الكلام، وأن يكون ما تكلم به صوابا. لأن * (ذلك اليوم الحق) * الذي لا يروج فيه الباطل، ولا ينفع فيه الكذب. وذلك * (يوم يقوم الروح) * وهو جبريل عليه السلام، الذي هو أفضل الملائكة. * (والملائكة) * أيضا يقوم الجميع * (صفا) * خاضعين لله * (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) *. فلما رغب، ورهب، وبشر، وأنذر، قال: * (ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) *، أي: عملا، وقدم صدق، يرجع إليه يوم القيامة. * (إنا أنذرناكم عذابا قريبا) * لأنه قد أزف مقبلا، وكل ما هو آت قريب. * (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه) *، أي: هذا الذي يهمه، ويفزع إليه، فلينظر في هذه الدار، ما قدم لدار القرار. * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون) * الآيات. فإن وجد خيرا فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ولهذا كان الكفار يتمنون الموت من شدة الحسرة والندم. * (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) *، نسأل الله أن يعافينا من الكفر والشر كله، إنه جواد كريم. تم تفسير سورة النبأ ولله الحمد. سورة النازعات * (والنازعات غرقا * والناشطات نشطا * والسابحات سبحا * فالسابقات سبقا * فالمدبرات أمرا * يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة * قلوب يومئذ واجفة * أبصارها خاشعة * يقولون أإنا لمردودون في الحافرة * أإذا كنا عظاما نخرة * قالوا تلك إذا كرة خاسرة * فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة) * هذه الإقسامات بالملائكة الكرام وأفعالهم الدالة على كمال انقيادهم لأمر الله، وإسراعهم في تنفيذه، يحتمل أن المقسم عليه، الجزاء والبعث بدليل الإتيان بأحوال القيامة بعد ذلك. ويحتمل أن المقسم عليه، والمقسم به متحدان، وأنه أقسم على الملائكة لأن الإيمان بهم، أحد أركان الإيمان الستة. ولأن في ذكر أفعالهم هنا ما يتضمن الجزاء الذي تتولاه الملائكة، عند الموت وقبله، وبعده، فقال: * (والنازعات غرقا) * وهم الملائكة، التي تنزع الأرواح بقوة، وتغرق في نزعها، حتى تخرج الروح، فتجازى بعملها. * (والناشطات نشطا) * وهي الملائكة أيضا، تجتذب الأرواح بقوة ونشاط، أو أن النشط يكون لأرواح المؤمنين، والنزع لأرواح الكفار. * (والسابحات) * أي: المترددات في الهواء صعودا ونزولا * (سبحا) *. * (فالسابقات) * لغيرها * (سبقا) * فتبادر لأمر الله، وتسبق الشياطين في إيصال الوحي إلى رسل الله، لئلا تسترقه. * (فالمدبرات أمرا) * الملائكة، الذين جعلهم الله يدبرون كثيرا من أمور العالم، العلوي والسفلي، من الأمطار، والنبات، والرياح، والبحار، والأجنة، والحيوانات، والجنة، والنار وغير ذلك. * (يوم ترجف الراجفة) * وهي قيام الساعة. * (تتبعها الرادفة) *، أي: الرجفة الأخرى، التي تردفها، وتأتي تلوها. * (قلوب يومئذ واجفة) *، أي: منزعجة من شدة ما ترى وتسمع. * (أبصارها خاشعة) *، أي: ذليلة حقيرة، قد ملك قلوبهم الخوف،
(٩٠٨)