لها سيران: سير إلى جهة المغرب مع سائر الكواكب والفلك. وسير معاكس لهذا من جهة المشرق تختص به هذه السبعة دون غيرها. فأقسم الله بها في حال خنوسها، أي: تأخرها، وفي حال جريانها، وفي حال كنوسها، أي: استتارها بالنهار. ويحتمل أن المراد بها جميع الكواكب السيارة وغيرها. * (والليل إذا عسعس) *، أي: أقبل، وقيل: أدبر. * (والصبح إذا تنفس) *، أي: بدت علائم الصبح، وانشق النور شيئا فشيئا، حتى يستكمل وتطلع الشمس. وهذه آيات عظام، أقسم الله عليها، لقوة سند القرآن وجلالته، وحفظه من كل شيطان رجيم، فقال: * (إنه لقول رسول كريم) * وهو أي: جبريل عليه السلام، نزل به من الله تعالى، كما قال تعالى: * (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين) *. ووصفه الله بالكريم لكرم أخلاقه، وخصاله الحميدة، فإنه أفضل الملائكة، وأعظمهم رتبة عند ربه. * (ذي قوة) * على ما أمره الله به. ومن قوته أنه قلب ديار قوم لوط بهم، فأهلكهم. * (عند ذي العرش) *، أي: جبريل مقرب عند الله، له منزلة رفيعة وخصيصة من الله، اختصه بها. * (مكين) *، أي: له مكانة ومنزلة، فوق منازل الملائكة كلهم. * (مطاع ثم) *، أي: جبريل مطاع في الملأ الأعلى، لأنه من الملائكة المقربين، نافذ فيهم أمره، مطاع رأيه. * (امين) *، أي: ذو أمانة، وقيام بما أمر به، لا يزيد ولا ينقص ولا يتعدى ما حد له، وهذا كله يدل على شرف القرآن عند الله تعالى، فإنه بعث به هذا الملك الكريم، الموصوف بتلك الصفات الكاملة. والعادة أن الملوك لا ترسل الكريم عليها، إلا في أهم المهمات، وأشرف الرسائل. ولما ذكر فضل الرسول الملكي الذي جاء بالقرآن، ذكر فضل الرسول البشري الذي نزل عليه القرآن، ودعا إليه الناس، فقال: * (وما صاحبكم) * وهو محمد صلى الله عليه وسلم * (بمجنون) * كما يقوله أعداؤه المكذبون برسالته، المتقولون عليه الأقوال، التي يريدون أن يطفئوا بها ما جاء به. بل هو أكمل الناس عقلا، وأجزلهم رأيا، وأصدقهم لهجة. * (ولقد رآه بالأفق المبين) *، أي: رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بالأفق البين، الذي هو أعلى ما يلوح للبصر. * (وما هو على الغيب بضنين) *، أي: وما هو على ما أوحاه الله إليه، بشحيح يكتم بعضه، بل هو صلى الله عليه وسلم أمين أهل السماء، وأهل الأرض، الذي بلغ رسالات ربه، البلاغ المبين، فلم يشح بشيء منه، عن غني ولا فقير، ولا رئيس ولا مرءوس، ولا ذكر ولا أنثى، ولا حضري ولا بدوي، ولذلك بعثه الله في أمة أمية، جاهلة جهلاء. فلم يمت صلى الله عليه وسلم، حتى كانوا علماء ربانيين، وأحبارا متفرسين، إليهم الغاية في العلوم، وإليهم المنتهى في استخراج الدقائق والمفهوم، وهم الأساتذة وغيرهم قصاراه أن يكون من تلاميذهم. * (وما هو بقول شيطان رجيم) * لما ذكر جلالة كتابه وفضله، بذكر الرسولين الكريمين، اللذين وصل إلى الناس على أيديهما، وأثنى الله عليهما بما أثنى، دفع عنه كل آفة ونقص، مما يقدح في صدقه، فقال: * (وما هو بقول شيطان رجيم) *، أي: في غاية البعد عن الله وعن قربه. * (فأين تذهبون) *، أي: كيف يخطر هذا ببالكم، وأين عزبت عنكم أذهانكم؟ حتى جعلتم الحق الذي هو في أعلى درجات الصدق، بمنزلة الكذب، الذي هو أنزل ما يكون، وأرذل وأسفل الباطل؟ هل هذا إلا من انقلاب الحقائق. * (إن هو إلا ذكر للعالمين) * يتذكرون به ربهم، وما له من صفات الكمال، وما ينزه عنه من النقائص، والرذائل والأمثال، ويتذكرون به الأوامر والنواهي وحكمها، ويتذكرون به الأحكام القدرية والشرعية والجزائية. وبالجملة، يتذكرون به مصالح الدارين، وينالون بالعمل به السعادتين. * (لمن شاء منكم أن يستقيم) * بعدما
(٩١٣)