وأهل طاعته، وهو يدعوهم إلى التوبة. ولما ذكر عقوبة الظالمين، ذكر ثواب المؤمنين، فقال: * (إن الذين آمنوا) * بقلوبهم * (وعملوا الصالحات) * بجوارحهم * (لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير) * الذي حصل هلم الفوز، برضا الله، ودار كرامته. * (إن بطش ربك لشديد) *، أي: إن عقوبته لأهل الجرائم والذنوب العظام، لقوية شديدة، وهو للظالمين بالمرصاد. قال الله تعالى: * (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) *. * (إنه هو يبدئ ويعيد) *، أي: هو المنفرد بإبداء الخلق وإعادته، فلا يشاركه في ذلك مشارك. * (وهو الغفور) * الذي يغفر الذنوب جميعها، لمن تاب، ويعفو عن السيئات، لمن استغفره وأناب. * (الودود) * الذي يحبه أحبابه، محبة لا يشبهها شيء. فكما أنه لا يشابهه شيء في صفات الجلال والجمال، والمعاني والأفعال، فمحبته في قلوب خواص خلقه، التابعة لذلك، لا يشبهها شيء من أنواع المحاب. ولهذا كانت محبته أصل العبودية، وهي المحبة التي تتقدم جميع المحاب وتغلبها، وإن لم يكن غيرها تبعا لها، كانت عذابا على أهلها. وهو تعالى الودود، الواد لأحبابه، كما قال تعالى: * (يحبهم ويحبونه) *، والمودة هي المحبة الصافية. وفي هذا سر لطيف، حيث قرن (الودود) بالغفور، ليدل ذلك على أن أهل الذنوب، إذا تابوا إلى الله وأنابوا، غفر لهم ذنوبهم، وأحبهم، فلا يقال: تغفر ذنوبهم، ولا يرجع إليهم الود، كما قال بعض الظالمين. بل الله أفرح بتوبة عبده حين يتوب، من رجل على راحلته، عليها طعامه وشرابه، وما يصلحه، فأضلها في أرض فلاة مهلكة، فأيس منها، فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت. فبينما هو على تلك الحال، إذا راحلته على رأسه، فأخذ بخطامها، فالله أعظم فرحا بتوبة العبد، من هذا براحلته، وهذا أعظم فرح يقدر. فلله الحمد والثناء، وصفو الوداد، ما أعظم بره، وأكثر خيره، وأغزر إحسانه، وأوسع امتنانه * (ذو العرش المجيد) *، أي: صاحب العرش العظيم، الذي من عظمته، أنه وسع السماوات والأرض، والكرسي. فهي بالنسبة إلى العرش، كحلقة ملقاة في فلاة، بالنسبة لسائر الأرض، وخص الله العرش بالذكر لعظمته، ولأنه أخص المخلوقات بالقرب منه، وهذا على قراءة الجر، يكون (المجيد) نعتا للعرش. وأما على قراءة الرفع، فإنه يكون نعتا لله، والمجد سعة الأوصاف وعظمتها. * (فعال لما يريد) *، أي: مهما أراد شيئا فعله، إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، وليس أحد فعالا لما يريد إلا الله. فإن المخلوقات، ولو أرادت شيئا، فإنه لا بد لإرادتها من معاون وممانع، والله لا معاون لإرادته، ولا ممانع له، مما أراد. ثم ذكر من أفعاله الدالة على صدق ما جاءت به رسله، فقال: * (هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود) * وكيف كذبوا المرسلين، فجعلهم من المهلكين. * (بل الذين كفروا في تكذيب) * أي: لا يزالون مستمرين على التكذيب والعناد، لا تنفع فيهم الآيات، ولا تجدي لديهم العظات. * (والله من ورائهم محيط) * قد أحاط بهم علما وقدرة، كقوله: * (إن ربك لبالمرصاد) *. ففيه الوعيد الشديد للكافرين، من عقوبة من هم في قبضته، وتحت تدبيره. * (بل هو قرآن مجيد) *، أي: وسيع المعاني عظيمها، كثير الخير والعلم. * (في لوح محفوظ) * من التغيير والزيادة والنقص، ومحفوظ من الشياطين، وهو: اللوح المحفوظ الذي قد أثبت الله فيه كل شيء. وهذا يدل على جلالة القرآن وجزالته، ورفعة قدره عند الله تعالى، والله أعلم. سورة الطارق * (والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب إن كل نفس لما عليها حافظ فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وما هو بالهزل إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) * يقول الله تعالى: * (والسماء والطارق) *. ثم فسر الطارق بقوله؛ * (النجم
(٩١٩)