الظلمات، ولا بعد التصديق، الذي قامت عليه الأدلة والبراهين القاطعة، إلا الإفك الصراح، والكذب المبين الذي لا يليق إلا بمن يناسبه. فتبا لهم، ما أعماهم وويحا لهم ما أخسرهم وأشقاهم نسأل الله العفو والعافية، إنه جواد كريم. سورة النبأ * (عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون) * أي: عن أي شيء يتساءل المكذبون بآيات الله؟ ثم بين ما يتساءلون عنه فقال: * (عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون) *، أي: عن الخبر العظيم، الذي طال فيه نزاعهم وانتشر فيه خلافهم على وجه التكذيب والاستبعاد، وهو النبأ الذي لا يقبل الشك، ولا يدخله الريب، ولكن المكذبين بلقاء ربهم لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية، حتى يروا العذاب الأليم. ولهذا قال: * (كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون) *، أي: سيعلمون إذا نزل بهم العذاب، ما كانوا به يكذبون، حين يدعون إلى نار جهنم دعا. ويقال لهم: * (هذه النار التي كنتم بها تكذبون) *. ثم ذكر تعالى النعم والأدلة الدالة على ما جاءت به الرسل، فقال: * (ألم نجعل الأرض) *، إلى: * (ألفافا) *. * (ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا) * أي: أما أنعمنا عليكم بنعم جليلة، فجعلنا لكم * (الأرض مهادا) *، أي: ممهدة مذللة لكم ولمصالحكم، من الحروث، والمساكن والسبل. * (والجبال أوتادا) * تمسك الأرض لئلا تضطرب بكم وتميد. * (وخلقناكم أزواجا) *، أي: ذكورا وإناثا، من جنس واحد، ليسكن كل منهما إلى الآخر، فتتكون المودة والرحمة، وتنشأ عنهما الذرية، وفي ضمن هذا الامتنان، بلذة المنكح. * (وجعلنا نومكم سباتا) *، أي: راحة لكم، وقطعا لأشغالكم، التي متى تمادت بكم، أضرت بأبدانكم، فجعل الله الليل والنوم، يغشى الناس، لتسكن حركاتهم الضارة، وتحصل راحتهم النافعة. * (وبنينا فوقكم سبعا شدادا) *، أي: سبع سماوات، في غاية القوة، والصلابة والشدة. وقد أمسكها الله بقدرته، وجعلها سقفا للأرض، فيها عدة منافع لهم، ولهذا ذكر من منافعها الشمس، فقال: * (وجعلنا سراجا وهاجا) * نبه بالسراج على النعمة بنورها الذي صار ضرورة للخلق، وبالوهاج، وهي: حرارتها، على ما فيها من الإنضاج والمنافع. * (وأنزلنا من المعصرات) *، أي: السحاب * (ماء ثجاجا) *، أي: كثيرا جدا. * (لنخرج به حبا) * من بر وشعير، وذرة، وأرز، وغير ذلك مما يأكله الآدميون. * (ونباتا) * يشمل سائر النبات، الذي جعله الله قوتا لمواشيهم. * (وجنات ألفافا) *، أي: بساتين ملتفة، فيها من جميع أصناف الفواكه اللذيذة. فالذي أنعم بهذه النعم الجليلة، التي لا يقدر قدرها، ولا يحصى عددها كيف تكفرون به، وتكذبون ما أخبركم به، من البعث والنشور؟ أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه، وتجحدونها؟ * (إن يوم الفصل كان ميقاتا * يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا * وفتحت السماء فكانت أبوابا * وسيرت الجبال فكانت سرابا * إن جهنم كانت مرصادا * للطاغين مآبا * لابثين فيهآ أحقابا * لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا
(٩٠٦)