تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٩٠٤
يرحم الله به عباده، ويذكرهم فيه منافعهم ومصالحهم، تلقيه إلى الرسل. * (عذرا أو نذرا) *، أي: إعذارا، أو إنذارا للناس، تنذر الناس ما أمامهم من المخاوف، وتقطع أعذارهم، فلا يكون لهم حجة على الله. * (إنما توعدون) * من البعث والجزاء على الأعمال * (لواقع) *، أي: متحتم وقوعه، من غير شك ولا ارتياب. فإذا وقع حصل من التغير والأهوال الشديدة للعالم، ما يزعج القلوب وتشتد له الكروب، فتنطمس النجوم، أي: تتناثر وتزول عن أماكنها وتنسف الجبال، فتكون كالهباء المنثور، وتكون هي والأرض قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا. وذلك اليوم هو اليوم الذي أقتت فيه الرسل، وأجلت للحكم بينها وبين أممها ولهذا قال: * (لأي يوم أجلت) * استفهام للتعظيم والتفخيم، والتهويل. ثم أجاب بقوله: * (ليوم الفصل) *، أي: بين الخلائق، بعضهم من بعض، وحساب كل منهم منفردا. ثم توعد المكذب بهذا اليوم، فقال: * (ويل يومئذ للمكذبين) *، أي: يا حسرتهم وشدة عذابهم، وسوء منقلبهم، أخبرهم الله، وأقسم لهم، فلم يصدقوه، فلذلك استحقوا العقوبة البليغة. * (ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين ويل يومئذ للمكذبين) * أي: أما أهلكنا المكذبين السابقين، ثم نتبعهم بإهلاك من كذب من الآخرين، وهذه سنته السابقة واللاحقة، في كل مجرم لا بد من عقابه، فلم لا تعتبرون بما ترون وتسمعون؟ * (ويل يومئذ للمكذبين) * بعدما شاهدوا من الآيات البينات، والعقوبات والمثلات. * (ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ويل يومئذ للمكذبين) * أي: أما خلقناكم أيها الآدميون * (من ماء مهين) *، أي: في غاية الحقارة، خرج من بين الصلب والترائب، حتى جعله الله * (في قرار مكين) * وهو الرحم، به يستقر وينمو. * (إلى قدر معلوم) * ووقت مقدر. * (فقدرنا) *، أي: قدرنا ودبرنا ذلك الجنين، في تلك الظلمات، ونقلناه من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى أن جعله الله جسدا، ونفخ فيه الروح ومنهم من يموت قبل ذلك. * (فنعم القادرون) * يعني بذلك، نفسه المقدسة، لأن قدره، تابع لحكمته، موافق للحمد. * (ويل يومئذ للمكذبين) *. * (ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا ويل يومئذ للمكذبين) * أي: أما مننا عليكم، وأنعمنا، بتسخير الأرض لمصالحكم، فجعلناها * (كفاتا) * لكم * (أحياء) * في الدور * (وأمواتا) * في القبور، فكما أن الدور والقصور من نعم الله على عباده ومنته، فكذلك القبور، رحمة في حقهم، وستر لهم، عن كون أجسادهم بادية للسباع وغيرها. * (وجعلنا فيها رواسي) *، أي: جبالا ترسي الأرض، لئلا تميد بأهلها، فثبتها الله بالجبال الراسيات الشامخات، أي: الطوال العراض. * (وأسقيناكم ماء فراتا) *، أي: عذبا زلالا، قال تعالى: * (أفرءيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون) *. * (ويل يومئذ للمكذبين) * مع ما أراهم الله من النعم، التي انفرد بها، واختصهم بها، فقابلوها بالتكذيب. هذا من الويل، الذي أعد للمجرمين المكذبين، أن يقال لهم يوم القيامة: * (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر ويل يومئذ للمكذبين) * * (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون) * ثم فسر ذلك بقوله: * (انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب) *، أي: إلى ظل نار جهنم، التي تتمايز في
(٩٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 899 900 901 902 903 904 905 906 907 908 909 ... » »»