سورة المطففين * (ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون * ألا يظن أول ئك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم * يوم يقوم الناس لرب العالمين) * * (ويل) * كلمة عذاب وعقاب * (للمطففين) * وفسر الله المطففين بأنهم * (الذين إذا اكتالوا على الناس) *، أي: أخذوا منهم، وفاء لهم عما قبلهم * (يستوفون) * كاملا من غير نقص. * (وإذا كالوهم أو وزنوهم) *، أي: إذا أعطوا الناس حقهم، الذي لهم عليهم، بكيل أو وزن * (يخسرون) *، أي: ينقصونهم ذلك إما بمكيال وميزان ناقصين، أو بعدم ملء المكيال والميزان، أو بغير ذلك، فهذا سرقة لأموال الناس، وعدم إنصاف لهم منهم. وإذا كان هذا وعيدا على الذين يبخسون الناس، بالمكيال والميزان، فالذي يأخذ أموالهم قهرا وسرقة، أولى بهذا الوعيد من المطففين. ودلت الآية الكريمة، على أن الإنسان كما يأخذ من الناس، الذي له، يجب أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات. بل يدخل في عموم هذا، الحجج والمقالات، فإنه كما أن المتناظرين، قد جرت العادة أن كل واحد منهما، يحرص على ما له من الحجج. فيجب عليه أيضا أن يبين ما لخصمه من الحجة، التي لا يعلمها، وأن ينظر في أدلة خصمه، كما ينظر في أدلته هو، وفي هذا الموضع، يعرف إنصاف الإنسان، من تعصبه واعتسافه، وتواضعه من كبره، وعقله من سفهه، نسأل الله التوفيق لكل خير. ثم توعد تعالى المطففين، وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه، فقال: * (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين) *، فالذين جرأهم على التطفيف، عدم إيمانهم باليوم الآخر، وإلا فلو آمنوا به، وعرفوا أنهم سيقومون بين يدي الله، فيحاسبهم على القليل والكثير، لأقلعوا عن ذلك، وتابوا منه. * (كلا إن كتاب الفجار لفي سجين * ومآ أدراك ما سجين * كتاب مرقوم * ويل يومئذ للمكذبين * الذين يكذبون بيوم الدين * وما يكذب به إلا كل معتد أثيم * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالو الجحيم * ثم يقال ه ذا الذي كنتم به تكذبون) * يقول تعالى: * (كلا إن كتاب الفجار) * وهذا شامل لك فاجر، من أنواع الكفرة والمنافقين، والفاسقين * (لفي سجين) *، ثم فسر ذلك بقوله: * (وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم) *، أي: كتاب مذكور فيه أعمالهم الخبيثة، والسجين: المحل الضيق الضنك، و (سجين) ضد (عليين) الذي هو محل كتاب الأبرار، كما سيأتي. وقد قيل: إن (سجين) هو أسفل الأرض السابعة، مأوى الفجار، ومستقرهم في معادهم. * (ويل يومئذ للمكذبين) * ثم بينهم بقوله: * (الذين يكذبون بيوم الدين) *، أي: يوم الجزاء، يوم يدين الله الناس فيه بأعمالهم. * (وما يكذب به إلا كل معتد) * على محارم الله، متعد الحلال إلى الحرام. * (أثيم) *، أي: كثير الإثم، فهذا يحمله عدوانه على التكذيب، ويوجب له كبره، رد الحق، ولهذا قال: * (إذا تتلى عليه آياتنا) * الدالة على الحق، وعلى صدق ما جاءت به الرسل، كذبها وعاندها، * (وقال) *: هذه * (أساطير الأولين) *، أي: من ترهات المتقدمين، وأخبار الأمم الغابرين، ليست من عند الله، تكبرا وعنادا. وأما من أنصف، وكان مقصوده الحق المبين، فإنه لا يكذب بيوم الدين، لأن الله قد أقام عليه من الأدلة القاطعة، والبراهين، ما يجعله حق اليقين، وصار لبصائرهم، بمنزلة الشمس للأبصار، بخلاف من ران على قلبه كسبه، وغطته معاصيه، فإنه محجوب عن الحق. ولهذا جوزي على ذلك، بأن حجب عن الله، كما حجب قلبه عن آيات الله. * (ثم إنهم) * مع هذه العقوبة البليغة * (لصالوا الجحيم) *. ثم يقال لهم توبيخا
(٩١٥)