تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٦٨
الله وأطيعوا الرسول) *، أي: في امتثال أمرهما، واجتناب نهيهما، فإن طاعة الله، وطاعة رسوله، مدار السعادة، وعنوان الفلاح. * (فإن توليتم) *، أي: عن طاعة الله وطاعة رسوله، * (فإنما على رسولنا البلاغ المبين) *، أي: يبلغكم ما أرسل به إليكم، بلاغا بينا واضحا، فتقوم عليكم به الحجة، وليس بيده من هدايتكم، ولا من حسابكم شيء. وإنما يحاسبكم على القيام بطاعة الله وطاعة رسوله، أو عدم ذلك، عالم الغيب والشهادة. * (الله لا إله إلا هو) *، أي: هو المستحق للعبادة والألوهية، فكل معبود سواه باطل. * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) *، أي: فليعتمدوا عليه في كل أمر نابهم، وفيما يريدون القيام به. فإنه لا يتيسر أمر من الأمور إلا بالله، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالاعتماد على الله، ولا يتم الاعتماد على الله، حتى يحسن العبد ظنه بربه، ويثق به في كفايته الأمر، الذي يعتمد عليه به، وبحسب إيمان العبد يكون توكله، قوة وضعفا. * (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم * إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم) * هذا تحذير من الله للمؤمنين، عن الاغترار بالأزواج والأولاد، فإن بعضهم عدو لكم، والعدو هو الذي يريد لك الشر، فوظيفتك الحذر ممن هذه صفته، والنفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد. فنصح تعالى عباده، أن توجب لهم هذه المحبة، الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد، التي فيها محذور شرعي، ورغبهم في امتثال أوامره، وتقديم مرضاته بما عنده، من الأجر العظيم المشتمل على المطالب العالية، والمحاب الغالية، وأن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية. ولما كان النهي عن طاعة الأزواج والأولاد، فيما هو ضرر على العبد، والتحذير من ذلك، قد يوهم الغلظة عليهم وعقابهم، أمر تعالى بالحذر منهم، والصفح عنهم والعفو، فإن في ذلك من المصالح ما لا يمكن حصره، فقال: * (وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم) * لأن الجزاء من جنس العمل. فمن عفا، عفا الله عنه، ومن صفح، صفح عنه، ومن عامل الله فيما يحب، وعامل عباده بما يحبون، وينفعهم، نال محبة الله، ومحبة عباده، واستوثق له أمره. * (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأول ئك هم المفلحون * إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم * عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم) * يأمر تعالى بتقواه، التي هي امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة. فهذه الآية تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد، يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض الأمور، وعجز عن بعضها، فإنه يأتي بما قدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم). ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر. وقوله: * (واسمعوا) *، أي: اسمعوا ما يعظكم الله به، وما يشرعه لكم، من الأحكام واعلموا ذلك، وانقادوا له * (وأطيعوا) * الله ورسوله في جميع أموركم. * (وأنفقوا) * من النفقات الواجبة والمستحبة، يكن ذلك الفعل منكم * (خيرا لأنفسكم) * في الدنيا والآخرة، فإن الخير كله في امتثال أوامر الله، وقبول تصائحه، والانقياد لشرعه، والشر كله، في مخالفة ذلك. ولكن ثم آفة تمنع كثيرا من الناس، من النفقة المأمور بها، وهو الشح المجبولة عليه أكثر النفوس، فإنها تشح بالمال، وتحب وجوده، وتكره خروجه من اليد غاية الكراهة. * (ومن يوق شح نفسه) * بأن تسمح بالإنفاق النافع لها * (فأولئك هم المفلحون) * لأنهم أدركوا المطلوب، ونجوا من المرهوب، بل لعل ذلك شامل لكل ما أمر به العبد، ونهى عنه. فإنه إن كانت نفسه شحيحة، لا تنقاد لما أمرت به، ولا تخرج ما قبلها، (من النفقات المأمورة بها) لم يفلح، بل خسر الدنيا والآخرة. وإن كانت نفسه نفسا سمحة، مطمئنة، منشرحة لشرع الله، طالبة لمرضاته، فإنها ليس بينها وبين فعل ما كلفت به إلا العلم به، ووصول معرفته إليها، والبصيرة بأنه مرض لله،
(٨٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 863 864 865 866 867 868 869 870 871 872 873 ... » »»