تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٤٨
المؤمنين، ويحلفون لهم أنهم مؤمنين، فإذا كان يوم القيامة وبعثهم الله جميعا، حلفوا لله كما حلفوا للمؤمنين، ويحسبون في حلفهم هذا أنهم على شيء، لأن كفرهم، ونفاقهم، عقائدهم الباطلة، لم تزل ترسخ في أذهانهم شيئا فشيئا، حتى غرتهم وظنوا أنهم على شيء يعتد به، ويعلق عليه الثواب، وهم كاذبون في ذلك. ومن المعلوم أن الكذب لا يروج على عالم الغيب والشهادة. وهذا الذي جرى عليهم من استحواذ الشيطان الذي استولى عليهم، وزين لهم أعمالهم، وأنساهم ذكر الله، وهو العدو المبين، الذي لا يريد بهم إلا الشر، * (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) *. * (أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) *، الذين خسروا دينهم ودنياهم وأهليهم. * (إن الذين يحآدون الله ورسوله أول ئك في الأذلين * كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز) * هذا وعد ووعيد، وعيد لمن حاد الله ورسوله بالكفر والمعاصي، أنه مخذول مذلول، لا عاقبة له حميدة، ولا راية له منصورة. ووعد، لمن آمن به، وبرسله، واتبع ما جاء به المرسلون، فصار من حزب الله المفلحين، أن لهم الفتح والنصر والغلبة، في الدنيا والآخرة، وهذا وعد لا يخلف، ولا يغير، فإنه من الصادق القوي العزيز، الذي لا يعجزه شيء يريده. * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حآد الله ورسوله ولو كانوا آبآءهم أو أبنآءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أول ئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أول ئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) * يقول تعالى: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) *، أي: لا يجتمع هذا وهذا، فلا يكون العبد مؤمنا بالله واليوم الآخر حقيقة، إلا كان عاملا على مقتضى إيمانه ولوازمه، من محبة من قام بالإيمان وموالاته، وبغض من لم يقم به ومعاداته، ولو كان أقرب الناس إليه. وهذا هو الإيمان على الحقيقة، الذي وجدت ثمرته، والمقصود منه. وأهل هذا الوصف هم الذين كتب الله في قلوبهم الإيمان، أي: رسمه وثبته، وغرسه غرسا، لا يتزلزل، ولا تؤثر فيه الشبه والشكوك. وهم الذين قواهم الله بروح منه، أي: بوحيه ومعرفته ومدده الإلهي، وإحسانه الرباني. وهم الذين لهم الحياة الطيبة في هذه الدار، ولهم جنات النعيم في دار القرار، التي فيها كل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وتختار، ولهم أفضل النعيم وأكبره، وهو أن الله يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدا، ويرضون عن ربهم بما يعطيهم من أنواع الكرامات، ووافر المثوبات، وجزيل الهبات، ورفيع الدرجات بحيث لا يرون فوق ما أعطاهم مولاهم غاية، ولا وراءه نهاية. وأما من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الأخر، وهو مع ذلك مواد لأعداء الله، محب لمن نبذ الإيمان وراء ظهره، فإن هذا إيمان زعمي، لا حقيقة له، فإن كان أمر لا بد له من برهان يصدقه، فمجرد الدعوى لا تفيد شيئا، ولا يصدق صاحبها. تم تفسير سورة المجادلة والحمد لله سورة الحشر هذه السورة تسمى (سورة بني النضير) وهم طائفة كبيرة من اليهود، في جانب المدينة، وقت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلى المدينة، كفروا به في جملة من كفر من اليهود، فهادن النبي صلى الله عليه وسلم طوائف اليهود، الذين هم جيرانه في المدينة. فلما كان بعد وقعة بدر بستة أشهر أو نحوها، خرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين، الذين قتلهم عمرو بن أمية الضمري، فقالوا: نفعل يا أبا القاسم، اجلس ها هنا، حتى نقضي حاجتك. فخلا بعضهم ببعض،
(٨٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 843 844 845 846 847 848 849 850 851 852 853 ... » »»