تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٤٤
رقبة من قبل أن يتمآسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتمآسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم) * نزلت هذه الآيات الكريمات في رجل من الأنصار، اشتكته زوجته إلى الله، وجادلته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرمها على نفسه، بعد الصحبة الطويلة، والأولاد، وكان هو رجلا شيخا كبيرا. فشكت حالها وحاله إلى الله، وإلى رسوله الله صلى الله عليه وسلم وكررت ذلك، وأبدت فيه وأعادت. فقال تعالى: * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما) *، أي: تخاطبكما فيما بينكما. * (إن الله سميع) * لجميع الأصوات، في جميع الأوقات، على تفنن الحاجات. * (بصير) * يبصر دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء. وهذا إخبار عن كمال سمعه وبصره، وإحاطتهما بالأمور الدقيقة والجليلة، وفي ضمن ذلك الإشارة بأن الله سيزيل شكواها وبلواها، ولهذا ذكر حكمها، وحكم غيرها على وجه العموم، فقال: * (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم) *. المظاهرة من الزوجة: أن يقول الرجل لزوجته: (أنت علي كظهر أمي)، أو غيرها من محارمه، أو: (أنت علي حرام)، وكان المعتاد عندهم في هذا اللفظ (الظهر) ولهذا سماه الله (ظهارا) فقال: * (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم) *، أي: كيف يتكلمون بهذا الكلام، الذي يعلمون أنه لا حقيقة له، فيشبهون أزواجهم بأمهاتهم اللاتي ولدنهم؟ ولهذا عظم الله أمره، وقبحه، فقال: * (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) *، أي: قولا شنيعا، وكذبا. * (وإن الله لعفو غفور) * عمن صدر منه بعض المخالفات، فتداركها بالتوبة النصوح. * (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) *، اختلف العلماء في معنى العود، فقيل: معناه العزم على جماع من ظاهر منها، وأنه بمجرد عزمه، تجب عليه الكفارة المذكورة، ويدل على هذا أن الله تعالى ذكر في الكفارة، أنها تكون قبل المسيس، وذلك إنما يكون بمجرد العزم، وقيل: معناه حقيقة الوطء، ويدل عليه أن الله قال: * (ثم يعودون لما قالوا) *، والذي قالوا إنما هو الوطء. وعلى كل من القولين * (ف) * إذا وجد العود، صار كفارة هذا التحريم * (تحرير رقبة مؤمنة) * كما قيدت في آية القتل، ذكر أو أنثى، بشرط أن تكون سالمة من العيوب الضارة بالعمل. * (من قبل أن يتماسا) *، أي: يلزم الزوج أن يترك وطء زوجته التي ظاهر منها، حتى يكفر برقبة. * (ذلكم) * الحكم الذي ذكرناه لكم، * (توعظون به) *، أي: يبين لكم حكمه مع الترهيب المقرون به، لأن معنى الوعظ ذكر الحكم مع الترغيب والترهيب، فالذي يريد أن يظاهر، إذا ذكر أن عليه عتق رقبة، كف نفسه عنه. * (والله بما تعملون خبير) * فيجازى كل عامل بعمله. * (فمن لم يجد) * رقبة يعتقها، بأن لم يجدها، أو لم يجد ثمنها * (ف) * (عليه) * (صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) * * (فمن لم يستطع) * (الصيام) * (فإطعام ستين مسكينا) *. إما أن يطعمهم من قوت بلده ما يكفيهم، كما هو قول كثير من المفسرين. وإما أن يطعم كل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره مما يجزي في الفطر كما هو قول طائفة أخرى. ذلك الحكم الذي بيناه لكم، ووصحناه * (لتؤمنوا بالله ورسوله) * وذلك بالتزام هذا الحكم وغيره من الأحكام والعمل به. فإن التزام أحكام الله، والعمل بها من الإيمان، بل هي المقصودة، ويزداد بها الإيمان، ويكمل وينمو. * (وتلك حدود الله) * التي تمنع من
(٨٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 839 840 841 842 843 844 845 846 847 848 849 ... » »»