تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٤٥
الوقوع فيها، فيجب أن لا تتعدى ولا يقصر عنها. * (وللكافرين عذاب أليم) *. وفي هذه الآيات عدة أحكام: منها: لطف الله بعباده، واعتناؤه بهم، حيث ذكر شكوى هذه المرأة المصابة، وأزالها، ورفع عنها البلوى، بل رفع البلوى بحكمه العام، عن كل من ابتلي بمثل هذه القضية. ومنها: أن الظهار مختص بتحريم الزوجة، لأن الله قال: * (من نسائهم) *. فلو حرم أمته، لم يكن ظهارا بل هو من جنس تحريم الطيبات، كالطعام والشراب، تجب فيه كفارة اليمين فقط. ومنها: أن لا يصلح الظهار من امرأة قبل أن يتزوجها، لأنها لا تدخل في نسائه وقت الظهار، كما لا يصح طلاقها، سواء نجز ذلك، أو علقه. ومنها: أن الظهار محرم، لأن الله سماه * (منكرا من القول وزورا) *. ومنها: تنبيه الله على الحكم وحكمته، لأن الله قال: * (ما هن أمهاتهم) *. ومنها: أنه يكره للرجل أن ينادي زوجته ويدعوها باسم محارمه، كقوله: (يا أمي)، (يا أختي) ونحو ذلك، لأن ذلك يشبه المحرم. ومنها: أن الكفارة إنما تجب بالعود لما قال المظاهر، على اختلاف القولين السابقين، لا بمجرد الظهار. ومنها: أنه يجزئ في كفارة الرقبة، الصغير والكبير، والذكر والأنثى، لإطلاق الآية في ذلك. ومنها: أنه يجب إخراجها إذا كانت عتقا أو صياما، قبل المسيس، كما قيده الله. بخلاف كفارة الإطعام، فإنه يجوز المسيس والوطء في أثنائها. ومنها: أنه لعل الحكمة في وجوب الكفارة قبل المسيس، أن ذلك أدعى لإخراجها، فإنه إذا اشتاق إلى الجماع، وعلم أنه لا يمكن من ذلك إلا بعد الكفارة، بادر إلى إخراجها. ومنها: أنه لا بد من إطعام ستين مسكينا، فلو جمع طعام ستين مسكينا، ودفعه لواحد أو أكثر من ذلك، دون الستين لم يجز، لأن الله قال: * (فإطعام ستين مسكينا) *. * (إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين) * محادة الله ورسوله: مخالفتهما ومعصيتهما خصوصا في الأمور الفظيعة، كمحادة الله ورسوله بالكفر، ومعاداة أولياء الله. وقوله: * (كبتوا كما كبت الذين من قبلهم) *، أي: أذلوا وأهينوا، كما فعل بمن قبلهم، جزاء وفاقا. وليس لهم حجة على الله، فإن الله قد قامت حجته البالغة على الخلق، وقد أنزل من الآيات البينات، والبراهين ما يبين الحقائق، ويوضح المقاصد، فمن اتبعها وعمل عليها، فهو من المهتدين الفائزين. * (وللكافرين) * بها * (عذاب مهين) * أي: يهينهم ويذلهم. * (يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد * ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) * يقول الله تعالى: * (يوم يبعثهم الله) *، أي: يوم يبعث الله الخلق * (جميعا) * فيقومون من أجداثهم سريعا * (فينبئهم بما عملوا) * من خير وشر، لأنه علم ذلك، و * (أحصاه الله) *، أي: كتبه في اللوح المحفوظ، وأمر الملائكة الكرام الحفظة بكتابته. هذا * (و) * العاملون قد * (نسوه) *، أي: نسوا ما عملوه والله أحصى ذلك. * (والله على كل شيء شهيد) * على الظواهر والسرائر، والخبايا والخفايا، ولهذا أخبر عن سعة علمه وإحاطته بما في السماوات والأرض من دقيق وجليل. وأنه * (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) *، والمراد بهذه المعية: معية العلم والإحاطة، بما تناجوا به وأسروه فيما بينهم، ولهذا قال: * (إن الله بكل شيء عليم) *. ثم قال تعالى: * (ألم تر إلى الذين) *، إلى: * (تحشرون) *. * (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير * يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون) * النجوى هي: التناجي بين اثنين فأكثر، وقد تكون في الخير، وتكون في الشر. فأمر الله المؤمنين أن يتناجوا بالبر، وهو: اسم جامع لكل خير وطاعة،
(٨٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 840 841 842 843 844 845 846 847 848 849 850 ... » »»