وقيام بحق الله، وحق عباده، والتقوى، وهي هنا: اسم جامع لترك جميع المحارم والمآثم. فالمؤمن يمتثل هذا الأمر الإلهي، فلا تجده مناجيا ومتحدثا، إلا بما يقربه إلى الله، ويباعده من سخطه. والفاجر يتهاون بأمر الله ويناجي بالإثم والعدوان، ومعصية الرسول، كالمنافقين الذين هذا دأبهم وحالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: * (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله) *، أي: يسيئون الأدب في تحيتهم لك. * (ويقولون في أنفسهم) *، أي: يسرون فيها ما ذكر عالم الغيب والشهادة عنهم، وهو قولهم: * (لولا يعذبنا الله بما نقول) *. ومعنى ذلك أنهم يتهاونون بذلك، ويستدلون بعدم تعجيل العقوبة عليهم، أن ما يقولونه غير محذور. وقال تعالى في بيان أنه يمهل ولا يهمل: * (حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) *، أي: تكفيهم جهنم، التي جمعت كل عذاب وشقاء عليهم، تحيط بهم، ويعذبون بها * (فبئس المصير) *، أي: المرجع والمآل: جهنم. وهؤلاء المذكورون إما أناس من المنافقين، يظهرون الإيمان، ويخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب الذي يوهمون أنهم أرادوا به خيرا، وهم كذبة في ذلك، وإما أناس من أهل الكتاب، الذين سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: (السام عليك يا محمد) يعنون: الموت. * (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * يقول تعالى: * (إنما النجوى) *، أي: تناجي أعداء المؤمنين بالمؤمنين، بالمكر والخديعة وطلب السوء، من الشيطان، الذي كيده ضعيف. * (ليحزن الذين آمنوا) *، هذا غاية هذا المكر ومقصوده. * (وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله) * فإن الله وعد المؤمنين بالكفاية، والنصر على الأعداء، وقال تعالى: * (ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله) *. فأعداء الله ورسوله والمؤمنين، مهما تناجوا ومكروا فإن ضرر ذلك عائد إلى أنفسهم، ولا يضر المؤمنين إلا شيء قدره الله وقضاه. * (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) *، أي: ليعتمدوا عليه، ويثقوا بوعده، فإن من توكل على الله كفاه كيد الأعداء، وكفاه أمر دينه ودنياه. * (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير) * هذا أدب من الله لعباده، إذا اجتمعوا في مجلس من مجالس مجتمعاتهم، واحتاج بعضهم، أو بعض القادمين للتفسح له في المجلس، فإن من الأدب أن يفسحوا له تحصيلا لهذا المقصود. وليس ذلك بضار للفاسح شيئا، فيحصل مقصود أخيه من غير ضرر يلحقه، والجزاء من جنس العمل، فإن من فسح لأخيه، فسح الله له، ومن وسع لأخيه، وسع الله عليه. * (وإذا قيل انشزوا) *، أي: ارتفعوا وتنحوا عن مجالسكم، لحاجة تعرض. * (فانشزوا) * أي: فبادورا للقيام لتحصيل تلك المصلحة. فإن القيام بمثل هذه الأمور من العلم والإيمان، والله تعالى يرفع أهل العلم والإيمان، درجات بحسب ما خصهم به من العلم والإيمان. * (والله يما تعملون خبير) * فيجازي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وفي هذه الآية فضيلة العلم وأن زينته وثمرته التأدب بآدابه، والعمل بمقتضاه. * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم * أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما
(٨٤٦)