تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٣٢
الأخلاق حسان الأوجه، فجمعن بين جمال الظاهر والباطن، وحسن الخلق والخلق. * (حور مقصورات في الخيام) *، أي: محبوسات في خيام اللؤلؤ، قد تهيأن وأعددن أنفسهن لأزواجهن. ولا ينفي ذلك خروجهن في البساتين، ورياض الجنة، كما جرت العادة لبنات الملوك المخدرات الخفرات. * (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على رفرف خضر) *، أي: أصحاب هاتين الجنتين، متكأهم على الرفرف الأخضر، وهي: الفرش التي تحت المجالس العالية، التي قد زادت على مجالسهم، فصار لها رفرفة من وراء مجالسهم، لزيادة البهاء، وحسن المنظر. * (وعبقري حسان) * العبقري: نسبة لكل منسوج نسجا حسنا فاخرا، ولهذا وصفها بالحسن الشامل، لحسن الصفة والمنظر، ونعومة الملمس. وهاتان الجنتان، دون الجنتين الأوليين، كما نص الله على ذلك بقوله: * (ومن دونهما جنتان) *، وكما وصف الأوليين بعدة أوصاف، لم يصف بها الأخريين، فقال في الأوليين: * (فيهما عينان تجريان) *، وفي الأخريين: * (عينان نضاختان) *. ومن المعلوم الفرق بين الجارية والنضاخة. وقال في الأوليين: * (ذواتا أفنان) * ولم يقل ذلك في الأخريين. وقال في الأوليين: * (فيهما من كل فاكهة زوجان) *، وفي الأخريين: * (فيهما فاكهة ونخل ورمان) *، وقد علم ما بين الوصفين من التفاوت. وقال في الأوليين: * (متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان) *، ولم يقل ذلك في الأخريين، بل قال: * (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان) *. وقال في الأوليين، في وصف نسائهم وأزواجهم: * (فيهن قاصرات الطرف) *، وفي الأخريين: * (مقصورات في الخيام) *، وقد علم التفاوت بين ذلك. وقال في الأوليين: * (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) *، فدل ذلك أن الأوليين جزاء المحسنين، ولم يقل ذلك في الأخيرتين. ومجرد تقديم الأوليين على الأخريين، يدل على فضلهما. فبهذه الأوجه يعرف فضل الأوليين على الأخريين، وأنهما معدتان للمقربين من الأنبياء، والصديقين، وخواص عباد الله الصالحين، وأن الأخريين معدتان لعموم المؤمنين. وفي كل من الجنات المذكورات، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفيهن ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وأهلهن في غاية الراحة والرضا والطمأنينة وحسن المأوى، حتى إن كل واحد منهم، لا يرى أحدا أحسن حالا منه، ولا أعلى من نعيمه الذي هو فيه. ولما ذكر سعة فضله وإحسانه، قال: * (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام) *، أي: تعاظم وكثر خيره، الذي له الجلال الباهر، والمجد الكامل، والإكرام لأوليائه. تم تفسير سورة الرحمن ولله الحمد والشكر والثناء الجميل سورة الواقعة * (إذا وقعت الواقعة * ليس لوقعتها كاذبة * خافضة رافعة * إذا رجت الأرض رجا * وبست الجبال بسا * فكانت هبآء منبثا * وكنتم أزواجا ثلاثة * فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة * والسابقون السابقون * أول ئك المقربون * في جنات النعيم * ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين * على سرر موضونة * متكئين عليها متقابلين * يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب وأباريق وكأس من معين * لا يصدعون عنها ولا ينزفون * وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون * وحور عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون * جزاء بما كانوا يعملون * لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما * إلا قيلا سلاما سلاما * وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين * في سدر مخضود * وطلح منضود * وظل ممدود * ومآء مسكوب * وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة * وفرش مرفوعة * إنآ أنشأناهن إنشآء * فجعلناهن أبكارا * عربا أترابا * لأصحاب اليمين * ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين) * يخبر تعالى بحال الواقعة، التي لا بد من وقوعها، وهي: القيامة التي * (ليس لوقعتها كاذبة) *، أي: لا شك فيها، لأنها قد تظاهرت عليها الأدلة العقلية والسمعية، ودلت عليها حكمته تعالى. * (خافضة رافعة) *، أي: خافضة لأناس في أسفل سافلين، رافعة لأناس في أعلى عليين، أو خفضت بصوتها فأسمعت القريب، ورفعت، فأسمعت البعيد. * (إذا رجت الأرض رجا) *، أي: حركت واضطربت. * (وبست الجبال بسا) *، أي: فتتت، * (فكانت هباء منبثا) *، فأصبحت ليس عليها جبل ولا معلم، قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا. * (وكنتم) * أيها الخلق * (أزواجا ثلاثة) *، أي: انقسمتم ثلاث فرق بحسب أعمالكم الحسنة والسيئة. ثم فصل أحوال الأزواج الثلاثة، فقال: * (فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة) *، تعظيم لشأنهم، وتفخيم لأحوالهم. * (وأصحاب المشئمة) *، أي: الشمال، * (ما أصحاب المشئمة) *، تهويل لحالهم. * (والسابقون السابقون * أولئك
(٨٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 827 828 829 830 831 832 833 834 835 836 837 ... » »»