تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٢٧
* (ولقد جاء آل فرعون النذر * كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر * أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر * أم يقولون نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر * بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر * إن المجرمين في ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * إنا كل شيء خلقناه بقدر * ومآ أمرنآ إلا واحدة كلمح بالبصر * ولقد أهلكنآ أشياعكم فهل من مدكر * وكل شيء فعلوه في الزبر * وكل صغير وكبير مستطر * إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر) * أي: * (ولقد جاء آل فرعون) * أي: فرعون وقومه * (النذر) * فأرسل الله إليهم موسى الكليم، وأيده بالآيات البينات، والمعجزات الباهرات، وأشهدهم من العبر ما لم يشهد غيرهم، فكذبوا بآيات الله كلها، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فأغرقه وجنوده في اليم. والمراد من ذكر هذه القصص تحذير الناس والمكذبين لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: * (أكفاركم خير من أولئكم) *، أي: هؤلاء الذي كذبوا أفضل الرسل، خير من أولئك المكذبين، الذي ذكر الله هلاكهم، وما جرى عليهم؟ فإن كانوا خيرا منهم، أمكن أن ينجوا من العذاب، ولم يصبهم ما أصاب أولئك الأشرار، وليس الأمر كذلك، فإنهم إن لم يكونوا شرا منهم، فليسوا بخير منهم. * (أم لكم براءة في الزبر) *، أي: أم أعطاكم الله عهدا وميثاقا في الكتب التي أنزلها على الأنبياء، فتعتقدون حينئذ أنكم الناجون بإخبار الله ووعده؟ وهذا غير واقع، بل غير ممكن، عقلا وشرعا، أن تكتب براءتهم في الكتب الإلهية المتضمنة للعدل والحكمة، فليس من الحكمة نجاة أمثال هؤلاء المعاندين المكذبين، لأفضل الرسل وأكرمهم على الله، فلم يبق إلا أن يكون بهم قوة ينتصرون بها، فأخبر تعالى أنهم يقولون: * (نحن جميع منتصر) *. قال تعالى مبينا لضعفهم، وأنهم مهزومون: * (سيهزم الجمع ويولون الدبر) * فوقع كما أخبر، هزم الله جمعهم الأكبر يوم (بدر)، وقتل صناديدهم وكبراؤهم، فأذلوا ونصر الله دينه ونبيه، وحزبه المؤمنين. ومع ذلك، فلهم موعد يجمع به أولهم وآخرهم، ومن أصيب في الدنيا منهم، ومن متع بلذاته، ولهذا قال: * (بل الساعة موعدهم) * الذي يجازون به، ويؤخذ منهم الحق بالقسط. * (والساعة أدهى وأمر) *، أي:
(٨٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 823 824 824 824 825 827 828 829 830 831 832 ... » »»