ثم قال: * (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) * لأنه حرم نفسه ثواب الله تعالى، وفاته خير كثير، ولن يضر الله بترك الإنفاق شيئا. * (والله) * هو * (الغني وأنتم الفقراء) * تحتاجون إليه في جميع أوقاتكم، لجميع أموركم. * (وإن تتولوا) * عن الإيمان بالله، وامتثال ما يأمركم به * (يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) * في التولي (عن أمر الله). بل يطيعون الله ورسوله، كما قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) *. تم تفسير سورة محمد (القتال) والحمد لله رب لعالمين. سورة الفتح * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا) * هذا الفتح المذكور هو صلح الحديبية، حين صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء معتمرا في قصة طويلة، صار آخر أمرها أن صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين، وعلى أن يعتمر من العام المقبل، وعلى أن من أراد أن يدخل في عهد قريش وحلفهم دخل، ومن أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده فعل. وسبب ذلك أنه لما أمن الناس بعضهم بعضا، اتسعت دائرة الدعوة لدين الله عز وجل، وصار كل مؤمن بأي محل كان من تلك الأقطار، يتمكن من ذلك. وأمكن ذلك للحريص على الوقوف على حقيقة الإسلام، فدخل الناس في تلك المدة في دين الله أفواجا، فلذلك سماه الله فتحا ووصفه بأنه فتح مبين، أي: ظاهر جلي. وذلك لأن المقصود من فتح بلدان المشركين إعزاز دين الله، وانتصار المسلمين، وهذا حصل به الفتح، ورتب الله على هذا الفتح عدة أمور، فقال: * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ما تأخر) * وذلك والله أعلم بسبب ما حصل بسببه من الطاعات الكثيرة، والدخول في الدين بكثرة. وبما تحمل صلى الله عليه وسلم من تلك الشروط التي لا يصبر عليها، إلا أولو العزم من المرسلين، وهذا من أعظم مناقبه، وكراماته صلى الله عليه وسلم، أن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. * (ويتم نعمته عليك) * بإعزاز دينك، ونصرك على أعدائك، واتساع كلمتك، * (ويهديك صراطا مستقيما) * تنال به السعادة الأبدية، والفلاح السرمدي. * (وينصرك الله نصرا عزيزا) *، أي: قويا لا يتضعضع فيه الإسلام، بل يحصل الانتصار التام، وقمع الكافرين، وذلهم ونقصهم، مع توفر المسلمين ونموهم، ونمو أموالهم. ثم ذكر آثار هذا الفتح على المؤمنين، فقال: * (هو الذي أنزل السكينة) *، إلى: * (وساءت مصيرا) *. * (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا) * يخبر تعالى عن منته على المؤمنين بإنزال السكينة في قلوبهم، وهي: السكون والطمأنينة، والثبات عند نزول المحن المقلقة، والأمور الصعبة التي تشوش القلوب وتزعج الألباب وتضعف النفوس. فمن نعمة الله على عبده في هذه الحال أن يثبته ويربط على قلبه، وينزل عليه السكينة، ليتلقى هذه المشقات بقلب ثابت، ونفس مطمئنة، فيستعد بذلك لإقامة أمر الله في هذه الحال، فيزداد بذلك إيمانه، ويتم إيقانه. فالصحابة رضي الله عنهم لما جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين، من تلك الشروط التي ظاهرها أنها غضاضة عليهم، وحط من أقدارهم، وتلك لا تكاد تصبر عليها النفوس. فلما صبروا عليها، ووطنوا أنفسهم لها، ازدادوا بذلك إيمانا مع إيمانهم. وقوله: * (ولله جنود السماوات والأرض) *، أي: جميعها في ملكه، وتحت تدبيره وقهره. فلا يظن المشركون أن الله لا ينصر دينه ونبيه، ولكنه تعالى عليم حكيم، فتقتضي حكمته المداولة بين الناس في الأيام، وتأخير نصر المؤمنين إلى وقت آخر. * (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها عنهم سيئاتهم) * فهذا أعظم ما يحصل للمؤمنين، أي: يحصل لهم المرغوب المطلوب، بدخول الجنات، ويزيل عنهم المحذور بتكفير السيئات. * (وكان ذلك) * الجزاء المذكور للمؤمنين * (عند الله فوزا عظيما) *، فهذا ما يفعل بالمؤمنين في ذلك الفتح المبين. وأما المنافقون والمنافقات، والمشركون والمشركات، فإن الله يعذبهم بذلك، ويريهم ما يسوؤهم، حيث كان مقصودهم خذلان المؤمنين، وظنوا بالله ظن السوء، أنه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته، وأن أهل الباطل، ستكون لهم الدائرة على أهل الحق، فأدار الله عليهم ظنهم، وكانت دائرة السوء عليهم في الدنيا. * (وغضب الله عليهم) * بما اقترفوه من المحادة لله ولرسوله. * (ولعنهم) *، أي: أبعدهم وأقصاهم عن رحمته * (وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا) *. * (ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما) * كرر
(٧٩١)