فلا يدخلها خير أبدا؟ هذا هو الواقع. * (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم) * يخبر تعالى عن حالة المرتدين عن الهدى والإيمان، على أعقابهم، إلى الضلال والكفران. ذلك لا عن دليل دلهم، ولا برهان، وإنما هو تسويل من عدوهم الشيطان وتزيين لهم، وإملاء منه لهم: * (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) *. و * (ذلك بأنهم) * قد تبين لهم الهدى، فزهدوا فيه، ورفضوه، و * (قالوا للذين كرهوا ما نزل الله) * من المبرزين العداوة لله ولرسوله * (سنطيعكم في بعض الأمر) *، أي: الذي يوافق أهواءهم، فلذلك عاقبهم الله بالضلال، والإقامة على ما يوصلهم إلى الشقاء الأبدي، والعذاب السرمدي. * (والله يعلم إسرارهم) * فلذلك فضحهم، وبينها لعباده المؤمنين، لئلا يغتروا بها. * (فكيف) * ترى حالهم الشنيعة، ورؤيتهم الفظيعة * (إذا توفتهم الملائكة) * الموكلون بقبض أرواحهم * (يضربون وجوههم وأدبارهم) * بالمقامع الشديدة؟ * (ذلك) * العذاب الذي استحقوه ونالوه * (ب) * سبب * (أنهم اتبعوا ما أسخط الله) * من كل كفر وفسوق وعصيان. * (وكرهوا رضوانه) * فلم يكن لهم رغبة فيما يقربهم إليه، ولا يدنيهم منه، * (فأحبط أعمالهم) *، أي: أبطلها وأذهبها، وهذا بخلاف من اتبع ما يرضي الله وكره سخطه؛ فإنه سيكفر عنه سيئاته، ويضاعف له أجره وثوابه. * (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) * يقول تعالى: * (أم حسب الذين في قلوبهم مرض) * من شبهة أو شهوة بحيث تخرج القلب عن حال صحته واعتداله. * (أن لن يخرج الله) * ما في قلوبهم من * (أضغانهم) * وعداوتهم للإسلام وأهله؟ هذا ظن لا يليق بحكمة الله، فإنه لا بد أن يميز الصادق من الكاذب، وذلك بالابتلاء بالمحن التي من ثبت عليها، ودام إيمانه فيها فهو المؤمن حقيقة. ومن ردته على عقبيه فلم يصبر عليها، وحين أتاه الامتحان، جزع وضعف إيمانه، وظهر ما في قلبه من الضغن، وتبين نفاقه، هذا مقتضى الحكمة الإلهية، مع أنه تعالى قال: * (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم) *، أي: بعلاماتهم التي هي كالرسم في وجوههم. * (ولتعرفنهم في لحن القول) *، أي: لا بد أن يظهر ما في قلوبهم، ويتبين بفلتات ألسنتهم. فإن الألسن مغارف القلوب، يظهر فيها ما في القلوب من الخير والشر * (والله يعلم أعمالكم) * فيجازيكم عليها. ثم ذكر أعظم امتحان يمتحن به عباده، وهو الجهاد في سبيل الله، فقال: * (ولنبلونكم) *، أي: نختبر إيمانكم وصبركم * (حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) *، فمن امتثل أمر الله وجاهد في سبيل الله بنصر دينه وإعلاء كلمته فهو المؤمن حقا، ومن تكاسل عن ذلك، كان ذلك نقصا في إيمانه. * (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم) * هذا وعيد شديد لمن جمع أنواع الشر كلها، من الكفر بالله، وصد الخلق عن سبيل الله الذي نصبه موصلا إليه. * (وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى) *، أي: عاندوه، وخالفوه عن عمد وعناد، لا عن جهل وغي وضلال، فإنهم * (لن يضروا الله شيئا) * فلا ينقص به ملكه. * (وسيحبط أعمالهم) *، أي: مساعيهم التي بذلوها في نصر الباطل، بأن لا تثمر لهم إلا الخيبة والخسران، وأعمالهم التي يرجون بها الثواب، لا تقبل لعدم وجود شرطها. * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) * يأمر تعالى المؤمنين بأمر به تتم وتحصل سعادتهم الدينية والدنيوية، وهو طاعته وطاعة رسوله في أصول الدين وفروعه، والطاعة هي: امتثال الأوامر، واجتناب النهي على الوجه المأمور به بالإخلاص وتمام المتابعة. وقوله: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * يشمل النهي عن إبطالها بعد عملها، بما يفسدها، من من بها وإعجاب، وفخر وسمعة، ومن عمل بالمعاصي التي تضمحل معها الأعمال، ويحبط أجرها، ويشمل النهي عن إفسادها حال وقوعها بقطعها، أو الإتيان بمفسد من مفسداتها. فمبطلات الصلاة والصيام والحج ونحوها، كلها داخلة في هذا، ومنهي عنها، ويستدل الفقهاء بهذه الآية على تحريم قطع الفرض، وكراهة قطع
(٧٨٩)