الإخبار بأن له ملك السماوات والأرض وما فيهما من الجنود، ليعلم العباد أنه تعالى هو المعز المذل، وأنه سينصر جنوده المنسوبة إليه، كما قال تعالى: * (وإن جندنا لهم الغالبون) *. * (وكان الله عزيزا حكيما) *، أي: قويا غالبا، قاهرا لكل شيء. ومع عزته وقوته، حكيم في خلقه وتدبيره، يجري على ما تقتضيه حكمته وإتقانه. * (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا) * أي: * (إنا أرسلناك) * أيها الرسول الكريم * (شاهدا) * لأمتك بما فعلوه من خير وشر، وشاهدا على المقالات والمسائل، حقها وباطلها، وشاهدا لله تعالى بالوحدانية والانفراد بالكمال، من كل وجه. * (ومبشرا) * من أطاعك، وأطاع الله بالثواب الدنيوي والديني، والأخروي، * (ونذيرا) * لمن عصى الله، بالعقاب العاجل والآجل. ومن تمام البشارة والنذارة، بيان الأعمال والأخلاق، التي يبشر بها وينذر، فهو المبين للخير والشر، والسعادة والشقاوة، والحق من الباطل. ولهذا رتب على ذلك قوله: * (لتؤمنوا بالله ورسوله) *، أي: بسبب دعوة الرسول لكم، وتعليمه لكم ما ينفعكم، أرسلناه لتقوموا بالإيمان بالله ورسوله، المستلزم ذلك لطاعتهما في جميع الأمور. * (وتعزروه وتوقروه) *، أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوقروه، أي: تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة في رقابكم. * (وتسبحوه) *، أي: تسبحوا لله * (بكرة وأصيلا) * أول النهار وآخره، فذكر الله في هذه الآية الحق المشترك بين الله وبين رسوله، وهو الإيمان بهما، والمختص بالرسول، وهو: التعزير والتوقير، والمختص بالله، وهو التسبيح له والتقديس بصلاة أو غيرها. * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) * هذه المبايعة التي أشار الله إليها هي (بيعة الرضوان) التي بايع الصحابة رضي الله عنهم فيها رسوله الله صلى الله عليه وسلم، على أن لا يفروا عنه، فهي عقد خاص، من لوازمه: أن لا يفروا، ولو لم يبق منهم إلا القليل، ولو كانوا في حال يجوز الفرار فيها. فأخبر تعالى: * (إن الذين يبايعونك) * حقيقة الأمر أنهم * (إنما يبايعون الله) *، ويعقدون العقد معه، حتى إنه من شدة تأكده أنه قال: * (يد الله فوق أيديهم) *، أي: كأنهم بايعوا الله وصافحوه بتلك المبايعة، وكل هذا لزيادة التأكيد والتقوية، وحملهم على الوفاء بها، ولهذا قال: * (فمن نكث) * فلم يف بما عاهد الله عليه * (فإنما ينكث على نفسه) *، لأن وبال ذلك راجع إليه، وعقوبته واصلة له. * (ومن أوفى بما عاهد عليه الله) *، أي: أتى به كاملا موفرا. * (فسيؤتيه أجرا عظيما) *، لا يعلم عظمه وقدره إلا الذين آتاه إياه. * (سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا) * يذم تعالى المتخلفين عن رسول الله، في الجهاد في سبيله، من الأعراب، الذين ضعف إيمانهم، وكان في قلوبهم مرض، وسوء ظن بالله تعالى، وأنهم سيعتذرون، بأن أموالهم وأهليهم شغلتهم عن الخروج في سبيله. وأنهم طلبوا من رسوله الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم، قال الله تعالى: * (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) * فإن طلبهم الاستغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على ندمهم، وإقرارهم على أنفسهم بالذنب، وأنهم تخلفوا تخلفا يحتاج إلى توبة واستغفار. فلولا هذا الذي في قلوبهم، لكان استغفار الرسول نافعا لهم، لأنهم قد تابوا وأنابوا، ولكن الذي في قلوبهم، أنهم إنما تخلفوا لأنهم ظنوا بالله ظن السوء. فظنوا * (أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا) *، أي: إنهم سيقتلون ويستأصلون، ولم يزل هذا الظن يزيد في قلوبهم، ويطمئنون إليه، حتى استحكم، وسبب ذلك أمران: أحدهما: أنهم كانوا * (قوما بورا) *، أي: هلكى، لا خير فيهم، فو كان فيهم خير، لم يكن هذا في قلوبهم. الثاني: ضعف إيمانهم ويقينهم بوعد الله، ونصر دينه، وإعلاء كلمته، ولهذا قال: * (ومن لم يؤمن بالله ورسوله) *، أي: فإنه كافر مستحق للعقاب، * (فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا) *. * (ولله ملك السماوت والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما) * أي: هو تعالى المنفرد بملك السماوات والأرض، يتصرف فيهما بما يشاء من الأحكام القدرية، والأحكام الشرعية، والأحكام الجزائية، ولهذا ذكر حكم الجزاء المرتب على الأحكام الشرعية، فقال: * (يغفر لمن يشاء) *، وهو: من قام
(٧٩٢)