تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٩٨
حفص، وقال: دعوني آته، فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا مكرز بن حفص، وهو رجل فاجر). فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يكلمه، إذ جاء سهيل بن عمرو، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد سهل لكم من أمركم)، فقال: هات، اكتب بيننا وبينك كتابا، فدعا الكاتب، فقال: (اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم)، فقال سهيل: أما الرحمن، فوالله ما ندري ما هو، ولكن اكتب: (باسمك اللهم) كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله ما نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اكتب باسمك اللهم). ثم قال: (اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله)، فقال سهيل: فوالله لو نعلم أنك رسول الله، ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني رسول الله، وإن كذبتموني، اكتب: محمد بن عبد الله)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به)، فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب، أنا أخذنا ضغطة، ولكن مع العام المقبل، فكتب. فقال سهيل: على أن لا يأتيك منا رجل، وإن كان في دينك، إلا رددته علينا. فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين، وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل، يرسف في قيوده، قد خرج من أسفل مكة، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما قاضيتك عليه، أن ترده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا لم نقض الكتاب بعد)، فقال: فوالله إذا، لا أصالحك على شيء أبدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأجزه لي)، فقال: ما أنا بمجيزه، فقال: (بلى فافعل)، قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: قد أجزناه. فقال أبو جندل: يا معشر المسلمين، أرد إلى المشركين، وقد جئت مسلما، ألا ترون ما لقيت؟ وكان قد عذب في الله عذابا شديدا. قال عمر بن الخطاب: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله ألست نبي الله؟ قال: (بلى)، قال: قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل؟ قال: (بلى)، فقلت: علام نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا؟ فقال: (إني رسول الله، وهو ناصري، ولست أعصيه)، قلت: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: (بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟) قلت: لا، قال: (فإنك آتيه ومطوف به). قال: فأتيت أبا بكر، فقلت له كما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد عليه أبو بكر كما رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء، وزاد: فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق، قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قوموا وانحروا، ثم احلقوا)، فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا رسول الله أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدا كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فيحلق لك، فقام فخرج، فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه. فلما رأى الناس ذلك، قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. ثم جاءت نسوة مؤمنات، فأنزل الله عز وجل: * (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) * حتى بلغ * (بعصم الكوافر) *، فطلق عمر يومئذ امرأتين، كانتا عنده في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية، والأخرى صفوان بن أمية، ثم رجع إلى المدينة. وفي مرجعه أنزل الله عليه: * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * إلى آخرها، فقال عمر: أفتح هو يا رسول الله؟ فقال: (نعم)، فقال الصحابة: هنيئا لك يا رسول الله، فما لنا؟ فأنزل الله عز وجل: * (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) * الآية. انتهى. وهذا آخر تفسير سورة الفتح ولله الحمد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
(٧٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 793 794 795 796 797 798 799 800 801 802 803 ... » »»