تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٨١
وداموا على ذلك * (ثم استقاموا) * مدة حياتهم * (فلا خوف عليهم) * من كل شر أمامهم * (ولا هم يحزنون) * على ما خلفوا وراءهم. * (أولئك أصحاب الجنة) *، أي: أهلها الملازمون لها، الذين لا يبغون عنها حولا، ولا يريدون بها بدلا. * (خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون) * من الإيمان بالله، المقتضي للأعمال الصالحة التي استقاموا عليها. * (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين * أول ئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) * هذا من لطفه تعالى بعباده، وشكره للوالدين أن وصى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف، والكلام اللين، وبذل المال والنفقة، وغير ذلك، من وجوه الإحسان. ثم نبه على ذكر السبب الموجب لذلك، فذكر ما تحملته الأم من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها، ثم مشقة ولادتها، المشقة الكبيرة، ثم مشقة الرضاع وخدمة الحضانة. وليست المذكورات مدة يسيرة، ساعة أو ساعتين، وإنما ذلك، أي * (حمله وفصاله) * مدة طويلة قدرها * (ثلاثون شهرا) *: الحمل تسعة أشهر ونحوها، والبقي للرضاع، هذا هو الغالب. ويستدل بهذه الآية مع قوله: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) * أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، لأن مدة الرضاع وهي سنتان إذا سقطت من الثلاثين شهرا، بقي ستة أشهر، مدة للحمل. * (حتى إذا بلغ أشده) *، أي: نهاية قوته وشبابه، وكمال عقله، * (وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني) *، أي: ألهمني ووفقني * (أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي) *، أي: نعم الدين، ونعم الدنيا. وشكره، بصرف النعم في طاعة مسديها وموليها، ومقابلته على منته، بالاعتراف والعجز عن الشكر، والاجتهاد في الثناء بها على الله، والنعم على الوالدين، نعم على أولادهم وذريتهم، أنهم لا بد أن ينالهم منها ومن أسبابها وآثارها، خصوصا نعم الدين، فإن صلاح الوالدين بالعلم والعمل، من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم. * (وأن أعمل صالحا ترضاه) * بأن يكون جامعا لما يصلحه، سالما مما يفسده، فهذا العمل الذي يرضاه الله ويقبله، ويثيب عليه. * (وأصلح لي في ذريتي) * لما دعا لنفسه بالصلاح، دعا لذريته أن يصلح الله أحوالهم، وذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم، لقوله: * (وأصلح لي) *. * (إني تبت إليك) * من الذنوب والمعاصي، ورجعت إلى طاعتك * (وإني من المسلمين) *. * (أولئك) * الذين ذكرت أوصافهم * (الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا) * وهو الطاعات، لأنهم يعملون أيضا غيرها. * (ونتجاوز عن سيئاتهم في) * في جملة * (أصحاب الجنة) *، فحصل لهم الخير والمحبوب، وزال عنهم الشر والمكروه. * (وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) *، أي: هذا الوعد الذي وعدناهم هو وعد من أصدق القائلين، الذي لا يخلف الميعاد. * (والذي قال لوالديه أف لكمآ أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغثيان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما ه ذآ إلا أساطير الأولين * أول ئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين * ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون) * لما ذكر تعالى حال الصالح البار لوالديه، ذكر حال العاق، وأنها شر الحالات، فقال: * (والذي قال لوالديه) * دعواه إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، وخوفاه الجزاء. وهذا أعظم إحسان يصدر من الوالدين لولدهما، أن يدعواه إلى ما فيه سعادته الأبدية، وفلاحه السرمدي، فقابلهما بأقبح مقابلة، فقال: * (أف لكما) *، أي: تبا لكما ولما جئتما به. ثم ذكر استبعاده وإنكاره لذلك فقال: * (أتعدانني أن أخرج) * من قبري إلى يوم القيامة * (وقد خلت القرون من قبلي) * على التكذيب، وسلفوا على الكفر، وهم الأئمة المقتدى بهم لكل كفور، وجهول، ومعاند؟ * (وهما) *، أي: والده * (يستغيثان الله) * عليه ويقولان له: * (ويلك آمن) *، أي: يبذلان غاية جهدهما، ويسعيان في هدايته، أشد السعي، حتى إنهما من حرصهما عليه يستغيثان الله له، استغاثة الغريق ويسألانه، سؤال الشريق، ويعذلان ولدهما، ويتوجعان له، ويبينان له الحق، فيقولان: * (إن وعد الله حق) *، ثم يقيمان عليه من الأدلة ما أمكنهما. وولدهما لا يزداد
(٧٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 776 777 778 779 780 781 782 783 784 785 786 ... » »»