تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٧٥
يحار الطرف في حسنهن، وينبهر العقل بجمالهن، وينخلب اللب لكمالهن * (عين) *، أي: واسعات الأعين، حسانها. * (يدعون فيها) *، أي: الجنة * (بكل فاكهة) * مما له اسم في الدنيا، ومما لا يوجد له اسم، ولا نظير في الدنيا. فمهما طلبوه من أنواع الفاكهة وأجناسها، أحضر لهم في الحال، من غير تعب ولا كلفة، * (أمنين) * من انقطاع ذلك، وآمنين من مضرته، وآمنين من كل مكدر، وآمنين من الخروج منها والموت، ولهذا قال: * (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) *، أي: ليس فيها موت بالكلية. ولو كان فيها موت يستثنى، لم يستثن الموتة الأولى، التي هي الموتة في الدنيا، فتم لهم كل محبوب مطلوب، * (ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك) *، أي: حصول النعيم واندفاع العذاب عنهم، من فضل الله عليهم وكرمه، فإنه تعالى هو الذي وفقهم للأعمال الصالحة، التي بها نالوا خير الآخرة، وأعطاهم أيضا، ما لم تبلغه أعمالهم. * (ذلك هو الفوز العظيم) *، وأي فوز أعظم من نيل رضوان الله وجنته، والسلامة من عذابه وسخطه؟ * (فإنما يسرناه) *، أي: القرآن * (بلسانك) *، الذي هو أفصح الألسنة على الإطلاق وأجلها، فتيسر به لفظه، وتيسر به معناه. * (لعلهم يتذكرون) * ما فيه نفعهم فيفعلونه، وما فيه ضررهم فيتركونه. * (فارتقب) *، أي انتظر ما وعدك ربك، من الخير والنصر * (إنهم مرتقبون) * ما يحل بهم من العذاب، وفرق بين الارتقابين: رسول الله وأتباعه يرتقبون الخير في الدنيا والآخرة. وضدهم، يرتقبون الشر في الدنيا والآخرة. سورة الجاثية * (حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين * وفي خلقكم وما يبث من دآبة آيات لقوم يوقنون * واختلاف الليل والنهار ومآ أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون * تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون * ويل لكل أفاك أثيم * يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم * وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أول ئك لهم عذاب مهين * من ورآئهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم * ه ذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم) * يخبر تعالى خبرا، يتضمن الأمر بتعظيم القرآن، والاعتناء به، وأنه * (تنزيل) *، * (من الله) * المألوه المعبود، لما اتصف به من صفات الكمال، وانفرد به من النعم، الذي له العزة الكاملة والحكمة التامة. ثم أيد ذلك بما ذكره من الآيات الأفقية والنفسية، من خلق السماوات والأرض، وما بث فيهما من الدواب، وما أودع فيهما من المنافع، وما أنزل الله من الماء، الذي يحيي به الله البلاد والعباد. فهذه كلها آيات بينات، وأدلة واضحات، على صدق هذا القرآن العظيم، وصحة ما اشتمل عليه من الحكم والأحكام، ودالات أيضا على ما لله تعالى من الكمال، وعلى البعث والنشور. ثم قسم تعالى الناس، بالنسبة إلى الانتفاع بآياته وعدمه، إلى قسمين: قسم يستدلون بها، ويتفكرون بها، وينتفعون فيرتفعون وهم المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر إيمانا تاما، وصل بهم إلى درجة اليقين، فزكى منهم العقول، وازدادت به معارفهم وألبابهم وعلومهم. وقسم يسمع آيات الله سماعا تقوم به الحجة عليهم، ثم يعرض عنها، ويستكبر كأنه ما سمعها، لأنها لم تزك قلبه، ولا طهرته، بل بسبب استكباره عنها، ازداد طغيانه. وأنه إذا علم من آيات الله شيئا، اتخذها هزوا، فتوعده الله تعالى بالويل فقال: * (ويل لكل أفاك أثيم) *، أي: كذاب في مقاله، أثيم في فعاله. وأخبر أن له عذابا أليما، وأن * (من ورائهم جهنم) * تكفي في عقوبتهم البليغة. وأنه * (لا يغني عنهم ما كسبوا) * من الأمول * (شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء) * يستنصرون بهم فخذلوهم، أحوج ما كانوا إليهم لو نفعوا. فلما بين آياته القرآنية والعيانية، وأن الناس فيها على قسمين، أخبر عن القرآن المشتمل على هذه المطالب العالية، أنه هدى، فقال: * (هذا هدى) * وهو وصف عام لجميع القرآن، فإنه يهدي إلى معرفة الله تعالى، بصفاته المقدسة، وأفعاله الحميدة. ويهدي إلى معرفة رسله، وأوليائهم، وأعدائهم، وأوصافهم، ويهدي إلى الأعمال الصالحة ويدعو إليها، ويبين الأعمال السيئة وينهى عنها، ويهدي إلى بيان الجزاء على الأعمال، ويبين الجزاء الدنيوي والأخروي، فالمهتدون اهتدوا به، فأفلحوا وسعدوا. * (والذين كفروا
(٧٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 770 771 772 773 774 775 776 777 778 779 780 ... » »»