تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٧٠٨
ثم لطف به لطفا آخر، وامتن عليه منة عظمى، وهو أنه أرسله * (إلى مائة ألف) * من الناس * (أو يزيدون) * عنها. والمعنى أنهم إن لم يزيدوا عنها، لم ينقصوا، فدعاهم إلى الله تعالى. * (فآمنوا) * فصاروا من موازينه، لأنه الداعي لهم. * (فمتعناهم إلى حين) * بأن صرف الله عنهم العذاب، بعدما انعقدت أسبابه. قال تعالى: * (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) *. * (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون * أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون * ألا إنهم من إفكهم ليقولون * ولد الله وإنهم لكاذبون * أصطفى البنات على البنين * مالكم كيف تحكمون * أفلا تذكرون * أم لكم سلطان مبين * فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين) * يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: * (فاستفتهم) * أي: اسأل المشركين بالله غيره، الذين عبدوا الملائكة، وزعموا أنها بنات الله، فجمعوا بين الشرك بالله، ووصفه بما لا يليق بجلاله. * (ألربك البنات ولهم البنون) * أي: هذه قسمة ضيزى، وقول جائر، من جهة جعلهم الولد لله تعالى، ومن جهة جعلهم أردأ القسمين وأخسهما له وهو البنات اللاتي لايرضونهن لأنفسهم، كما قال في الآية الأخرى * (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون) * ومن جهة جعلهم الملائكة بنات الله، وحكمهم بذلك. قال تعالى في بيان كذبهم: * (أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون) * خلقهم؟ أي: ليس الأمر كذلك، فإنهم ما شهدوا خلقهم. فدل على أنهم قالوا هذا القول، بلا علم، بل افتراء على الله، ولهذا قال تعالى: * (ألا إنهم من إفكهم) * أي: كذبهم الواضح * (ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون) * (في قولهم ذلك كذبا بينا لا ريب فيه). * (اصطفي) * أي: اختار * (البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون) * هذا الحكم الجائر * (أفلا تذكرون) * وتميزون هذا القول الباطل الجائر. فإنكم لو تذكرتم، لم تقولوا هذا القول. * (أم لكم سلطان مبين) * أي: حجة ظاهرة على قولكم، من كتاب، أو رسول. وكل هذا غير واقع ولهذا قال: * (فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين) *. فإن من يقول قولا، لا يقيم عليه حجة شرعية، فإنه كاذب متعمد، أو قائل على الله، بلا علم. * (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين) * أي: جعل هؤلاء المشركون بالله، بين الله وبين الجنة نسبا، حيث زعموا أن الملائكة بنات الله، وأن أمهاتهم سروات الجن. والحال أن الجنة، قد علمت أنهم محضرون بين يدي الله، ليجازيهم، فهم عباد أذلاء فلو كان بينهم وبينه نسب لم يكونوا كذلك. * (سبحان الله) * الملك العظيم، والكامل الحليم * (عما يصفون) * به ربهم من كل وصف أوجبه كفرهم وشركهم. * (إلا عباد الله المخلصين) * فإنه لم ينزه نفسه عما وصفوه به، لأنهم لم يصفون إلا بما يليق بجلاله، وبذلك كانوا مخلصين. * (فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم) * أي: إنكم أيها المشركون، ومن عبدتموه مع الله، لا تقدرون أن تفتنوا وتضلوا أحدا إلا من قضى الله أنه من أهل الجحيم، فنفذ فيه القضاء الإلهي. المقصود من هذا، بيان عجزهم وعجز آلهتهم، عن إضلال أحد، وبيان كمال قدرة الله تعالى. أي: فلا تطمعوا بإضلال عباد الله المخلصين وحزبه المفلحين. * (وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون) * هذا فيه بيان براءة الملائكة عليه السلام؛ عما قاله فيهم المشركون. وأنهم عباد الله، لا يعصونه طرفة عين. فما منهم من أحد إلا وله مقام وتدبير، قد أمر الله به لا يتعداه ولا يتجاوزه، وليس لهم من الأمر شيء. * (وإنا لنحن الصافون) * في طاعة الله وخدمته * (وإنا لنحن المسبحون) * (أي: والمقدسون لله سبحانه عن كل ما لا يليق بجناب كبريائه). فكيف مع هذا يصلحون أن يكونوا شركاء؟ * (تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا) *. * (وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين فكفروا به فسوف يعلمون ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) * يخبر تعالى أن هؤلاء المشركين، يظهرون التمني، ويقولون: لو جاءنا من الذكر والكتب ما جاء
(٧٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 703 704 705 706 707 708 709 710 711 712 713 ... » »»