تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٦٩
بالوفاة، تعتد مطلقا، لقوله: * (ثم طلقتموهن) * الآية. وعلى أن من عدا غير المدخول بها، من المفارقات من الزوجات، بموت أو حياة، عليهن العدة. يقول تعالى، ممتنا على رسوله بإحلاله له ما أحل مما يشترك فيه هو والمؤمنون، وما ينفرد به ويختص: * (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن) * أي: أعطيتهن مهورهن، من الزوجات. وهذا من الأمور المشترك بينه وبين المؤمنين، فإن المؤمنين كذلك، يباح لهم من آتوهن أجورهن من الأزواج. * (و) * كذلك أحللنا لك * (وما ملكت يمينك) * أي: الإماء التي ملك * (مما أفاء الله عليك) * من غنيمة الكفار من عبيدهم، والأحرار من لهن زوج منهم، ومن لا زوج لهن، وهذا أيضا مشترك. وكذلك من المشترك، قوله: * (وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك) * شمل العم والعمة، والخال والخالة، القريبين والبعيدين، وهذا حصر المحللات. يؤخذ من مفهومه أن ما عداهن من الأقارب، غير محلل، كما تقدم في سورة النساء. فإنه لا يباح من الأقارب من النساء، غير هؤلاء الأربع، وما عداهن من الفروع مطلقا، والأصول مطلقا، إلا فروع الأب والأم، وإن نزلوا، وفروع من فوقهم لصلبه، فإنه لا يباح. وقوله: * (اللاتي هاجرن) * قيد لحل هؤلاء للرسول، كما هو الصواب من القولين، في تفسير هذه الآية. وأما غيره عليه الصلاة والسلام، فقد علم أن هذا قيد لغير الصحة. * (و) * أحللنا لك * (امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) * بمجرد هبتها نفسها. * (إن أراد النبي أن يستنكحها) * أي: هذا تحت الإرادة والرغبة. * (خالصة لك من دون المؤمنين) * يعني: إباحة الموهوبة. وأما المؤمنون، فلا يحل لهم أن يتزوجوا امرأة بمجرد هبتها نفسها لهم. * (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) * أي: قد علمنا ما على المؤمنين، وما يحل لهم، وما لا يحل، من الزوجات وملك اليمين. وقد أعلمناهم بذلك، وبينا فرائضه. فما في هذه الآية، مما يخالف ذلك، فإنه خاص، لكون الله جعله خطابا للرسول وحده بقوله: * (يا أيها النبي إنا أحللنا لك) * إلى آخر الآية. وقوله: * (خالصة لك من دون المؤمنين) * أي: وأبحنا لك يا أيها النبي ما لم نبح لهم، ووسعنا عليك ما لم نوسع على غيرك. * (لكيلا يكون عليك حرج) * وهذا من زيادة اعتناء الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم. * (وكان الله غفورا رحيما) * أي: لم يزل متصفا بالمغفرة والرحمة، وينزل على عباده من مغفرته ورحمته، وجوده وإحسانه، ما اقتضته حكمته، ووجدت منهم أسبابه. * (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما) * وهذا أيضا من توسعة الله على رسوله ورحمته به، أن أباح له ترك القسم بين زوجاته، على وجه الوجوب، وأنه إن فعل ذلك، فهو تبرع منه. ومع ذلك، فقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في القسم بينهن في كل شيء، ويقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك). فقال هنا: * (ترجي من تشاء منهن) * أي: تؤخر من أردت من زوجاتك فلا تؤويها إليك، ولا تبيت عندها. * (وتؤوي إليك من تشاء) * أي: تضمها وتبيت عندها. * (و) * مع ذلك لا يتعين هذا الأمر * (من ابتغيت) * أي: أن تؤويها * (ممن عزلت فلا جناح عليك) *. والمعنى أن الخيرة بيدك في ذلك كله. وقال كثير من المفسرين: إن هذا خاص بالواهبات، له أن يرجي من يشاء، ويؤوي من يشاء. أي: إن شاء قبل من وهبت نفسها له، وإن شاء لم يقبلها، والله أعلم. ثم بين الحكمة في ذلك فقال: * (ذلك) * أي: التوسعة عليك، وكون الأمر راجعا إليك وبيدك، وكون ما جاء منك إليهن تبرعا منك * (أدنى أن تقرأ أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن) * لعلمهن أنك لم تترك واجبا، ولم تفرط في حق لازم.
(٦٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 664 665 666 667 668 669 670 671 672 673 674 ... » »»