لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما * لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيهآ إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا * سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) * هذه الآية، هي التي تسمى آية الحجاب، فأمر الله نبيه، أن يأمر النساء عموما، ويبدأ بزوجاته وبناته، لأنهن آكد من غيرهن، ولأن الآمر لغيره، ينبغي أن يبدأ بأهله، قبل غيرهم كما قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) * (أن) * (يدنين عليهن من جلابيبهن) * وهن اللاتي يكن فوق الثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه، أي: يغطين بها، وجوههن وصدورهن. ثم ذكر حكمة ذلك فقال: * (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) * دل على وجود أذية، إن لم يحتجبن، وذلك لأنهن إذا لم يحتجبن، ربما ظن أنهن غير عفيفات، فيتعرض لهن من في قلبه مرض، فيؤذيهن. وربما استهين بهن، وظن أنهن إماء، فتهاون بهن من يريد الشر. فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامعين فيهن. * (وكان الله غفورا رحيما) * حيث غفر لكم ما سلف، ورحمكم، بأن بين لكم الأحكام، وأوضح الحلال والحرام، فهذا سد للباب من جهتين. وأما من جهة أهل الشر فقد توعدهم بقوله: * (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلبوهم مرض) * أي: مرض شك أو شهوة * (والمرجفون في المدينة) * أي: المخوفون المرهبون الأعداء، المتحدثون بكثرتهم وقوتهم، وضعف المسلمين. ولم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه، ليعم ذلك، كل ما توحي به أنفسهم إليهم، وتوسوس به، وتدعو إليه من الشر، من التعريض بسب الإسلام وأهله، والإرجاف بالمسلمين، وتوهين قواهم، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة، وغير ذلك من المعاصي الصادرة، من أمثال هؤلاء. * (لنغرينك بهم) * أي: نأمرك بعقوبتهم وقتالهم، ونسلطك عليهم. ثم إذا فعلنا ذلك، لا طاقة لهم بك، وليس لهم قوة ولا امتناع. ولهذا قال: * (ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا) * أي: لا يجاورونك في المدينة إلا قليلا، بأن تقتلهم أو تنفيهم. وهذا فيه دليل، لنفي أهل الشر، الذين يتضرر بإقامتهم بين أظهر المسلمين، فإن ذلك أحسم للشر، وأبعد منه، ويكونون * (ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا) * أي: مبعدين، حيث وجدوا، لا يحصل لهم أمن، ولا يقر لهم قرار، يخشون أن يقتلوا، أو يحبسوا، أو يعاقبوا. * (سنة الله في الذين خلوا من قبل) * أن من تمادى في العصيان، وتجرأ على الأذى، ولم ينته منه، فإنه يعاقب عقوبة بليغة. * (ولن تجد لسنة الله تبديلا) * أي: تغييرا، بل سنته تعالى وعادته، جارية مع الأسباب المقتضية لمسبباتها. * (يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا * إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا * خالدين فيهآ أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا * يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يليتنآ أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنآ إنآ أطعنا سادتنا وكبرآءنا فأضلونا السبيلا * ربنآ آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) * أي يستخبرك الناس عن الساعة، استعجالا لها، وبعضهم تكذيبا لوقوعها، وتعجيزا للذي أخبر بها. * (قل) * (لهم) * (إنما علمها عند الله) * أي: لا يعلمها إلا الله، فليس لي، ولا لغيري بها علم. ومع هذا، فلا تستبطئوها. * (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) * ومجرد مجيء الساعة، قربا وبعدا، ليس نحته نتيجة ولا فائدة، وإنما النتيجة والخسار، والربح، والشقاوة والسعادة، هل يستحق العبد العذاب، أو يستحق الثواب؟ فهذه سأخبركم بها، وأصف لكم مستحقها. فوصف مستحق العذاب، ووصف العذاب، لأن الوصف المذكور، منطبق على هؤلاء المكذبين بالساعة فقال: * (إن الله لعن الكافرين) * أي: الذين صار الكفر دأبهم وطريقتهم، الكفر بالله وبرسله، وبما جاءوا به من عند الله، فأبعدهم الله في الدنيا والآخرة من رحمته، وكفى بذلك عقابا. * (وأعد لهم سعيرا) * أي: نارا موقدة، تسعر
(٦٧٢)