تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٦٣
وتغضبن لفقدها، فليس لي فيكن إرب وحاجة، وأنتن بهذه الحال. * (فتعالين أمتعكن) * شيئا مما عندي، من الدنيا * (وأسرحكن) * أي: أفارقكن * (سراحا جميلا) * من دون مغاضبة ولا مشاتمة، بل بسعة صدر، وانشراح بال، قبل أن تبلغ الحال إلى ما لا ينبغي. * (وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة) * أي: هذه الأشياء مرادكن، وغاية مقصودكن، وإذا حصل لكن الله ورسوله والجنة، لما تبالين بسعة الدنيا وضيقها، ويسرها وعسرها، وقنعتن من رسول الله بما تيسر، ولم تطلبن منه ما يشق عليه. * (فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) * رتب الأجر على وصفهن بالإحسان، لأنه السبب الموجب لذلك، لا لكونهن زوجات الرسول فإن مجرد ذلك، لا يكفي بل لا يفيد شيئا مع عدم الإحسان. فخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فاخترن كلهن الله ورسوله، والدار الآخرة، لم يتخلف منهن واحدة، رضي الله عنهن. وفي هذا التخيير فوائد عديدة: منها: الاعتناء برسوله، والغيرة عليه، أن يكون بحالة يشق عليه كثرة مطالب زوجاته الدنيوية. منها: سلامته صلى الله عليه وسلم، بهذا التخيير من تبعة حقوق الزوجات، وأنه يبقى في حرية نفسه، إن شاء أعطى، وإن شاء منع * (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) *. ومنها: تنزيهه عما لو كان فيهن من تؤثر الدنيا على الله ورسوله، والدار الآخرة، وعن مقارنتها. ومنها: سلامة زوجاته، رضي الله عنهن، عن الإثم، والتعرض لسخط الله ورسوله. فحسم الله بهذا التخيير عنهن، التسخط على الرسول، الموجب لسخطه، المسخط لربه، الموجب لعقابه. ومنها: إظهار رفعتهن، وعلو درجتهن، وبيان علو هممهن، أن كان الله ورسوله والدار الآخرة، مرادهن ومقصودهن، دون الدنيا وحطامها. ومنها: استعدادهن بهذا الاختيار، للأمر المختار للوصول إلى خيار درجات الجنة، وأن يكن زوجاته في الدنيا والآخرة. ومنها: ظهور المناسبة بينه وبينهن، فإنه أكمل، وأراد الله أن تكون نساؤه، كاملات مكملات، طيبات مطيبات * (الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) *. ومنها: أن هذا التخيير داع، وموجب للقناعة، التي يطمئن لها القلب، وينشرح لها الصدر، ويزول عنهن جشع الحرص، وعدم الرضا الموجب لقلق القلب واضطرابه، وهمه وغمه. ومنها: أن يكون اختيارهن هذا، سببا لزيادة أجرهن ومضاعفته، وأن يكن بمرتبة ليس فيها أحد من النساء، ولهذا قال: * (يا نساء النبي) * إلى * (رزقا كريما) *. * (ينسآء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤته آ أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما) * لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ذكر مضاعفة أجرهن، ومضاعفة وزرهن وإثمهن لو جرى منهن، ليزداد حذرهن، وشكرهن الله تعالى، فجعل لمن أتى منهن بفاحشة ظاهرة، العذاب ضعفين. * (ومن يقنت منكن) * أي: تطيع * (لله ورسوله وتعمل صالحا) * قليلا أو كثيرا. * (نؤتها أجرها مرتين) * أي: مثل ما نعطي غيرها مرتين * (وأعتدنا لها رزقا كريما) * وهي الجنة. فقنتن لله ورسوله، وعملن صالحا، فعلم بذلك أجرهن. * (ينسآء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزك اة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنك م الرجس أهل البيت ويطهركم تطهي را * واذك رن ما يت لي في بيوتك ن من آيات الله والحك مة إن الله كان لطيفا خبيرا) * يقول تعالى: * (يا نساء النبي) * خطاب لهن كلهن * (لستن كأحد من النساء إن اتقيتن) * الله، فإنكن بذلك تفقن النساء، ولا يلحقكن أحد من النساء، فكملن التقوى بجميع وسائلها ومقاصدها. فلهذا أرشدهن إلى قطع وسائل المحرم فقال: * (فلا تخضعن بالقول) * أي: في مخاطبة الرجال، أو بحيث يسمعون فتلن في ذلك، وتتكلمن بكلام رقيق. * (فيطمع الذي في قلبه مرض) * أي: مرض شهوة الحرام، فإنه مستعد، ينتظر أدنى محرك يحركه، لأن قلبه غير صحيح، فإن القلب
(٦٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 658 659 660 661 662 663 664 665 666 667 668 ... » »»