صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا) * الآية. أي: قدرنا ما قدرنا، من هذه الفتن، والمحن، والزلازل، ليتبين الصادق من الكاذب. فيجزي الله الصادقين بصدقهم * (ويعذب المنافقين) * الذين تغيرت قلوبهم وأعمالهم، عند حلول الفتن، ولم يفوا بما عاهدوا الله عليه. * (إن شاء) * تعذيبهم، بأن لم يشأ هدايتهم، بل علم أنهم لا خير فيهم، فلم يوفقهم. * (أو يتوب عليهم) * بأن يوفقهم للتوبة والإنابة. وهذا هو الغالب، على كرم الكريم، ولهذا ختم الآية باسمين دالين على المغفرة، والفضل، والإحسان فقال: * (إن الله كان غفورا) * لذنوب المسرفين على أنفسهم، ولو أكثروا من العصيان، إذا أتوا بالمتاب. * (رحيما) * بهم حيث وفقهم التوبة، ثم قبلها منهم، وستر عليهم ما اجترحوه. * (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا) * أي: ردهم خائبين، لم يحصل لهم الأمر الذي كانوا حريصين عليه، مغتاظين قادرين عليه جازمين، بأن لهم الدائرة، قد غرتهم جموعهم، وأعجبوا بتحزبهم، وفرحوا بعددهم وعددهم. فأرسل الله عليهم، ريحا عظيمة، وهي ريح الصبا، فزعزعت مراكزهم، وقوضت خيامهم، وكفأت قدورهم وأزعجتهم، وضربهم الله بالرعب، فانصرفوا بغيظهم، وهذا من نصر الله لعباده المؤمنين. * (وكفى الله المؤمنين القتال) * بما صنع لهم من الأسباب العادية والقدرية. * (وكان الله قويا عزيزا) * لا يغالبه أحد، إلا غلب، ولا يستنصره أحد، إلا غلب، ولا يعجزه أمر أراده، ولا ينفع أهل القوة والعزة، قوتهم وعزتهم، إن لم يعنهم الله بقوته وعزته. * (وأنزل الذين ظاهروهم) * أي: عاونوهم * (من أهل الكتاب) * أي: من اليهود * (من صياصيهم) * أي: أنزلهم من حصونهم، نزولا مظفورا بهم، مجعولين تحت حكم الإسلام. * (وقذف في قلوبهم الرعب) * فلم يقووا على القتال، بل استسلموا وخضعوا وذلوا. * (فريقا تقتلون) * وهم الرجال المقاتلون * (وتأسرون فريقا) * من عداهم من النساء والصبيان. * (وأورثكم) * أي: غنمكم * (أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها) * أي: أرضا كانت من قبل، من شرفها وعزتها عند أهلها، لا تتمكنون من وطئها. فمكنكم الله منها، ومن أهلها، وخذلهم، وغنمتم أموالهم، وقتلتموهم، وأسرتموهم. * (وكان الله على كل شيء قديرا) * لا يعجزه شيء، ومن قدرته قدر لكم ما قدر. وكانت هذه الطائفة من أهل الكتاب، هم بنو قريظة من اليهود، في قرية خارج المدينة، غير بعيدة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، حين هاجر إلى المدينة، وادعهم، وهادنهم، فلم يقاتلهم ولم يقاتلوه، وهم باقون على دينهم، لم يغير عليهم شيئا. فلما رأوا يوم الخندق، الأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله وكثرتهم، وقلة المسلمين، وظنوا أنهم سيستأصلون الرسول والمؤمنين، وساعد على ذلك، تدجيل بعض رؤسائهم عليهم، نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومالأوا المشركين على قتاله. فلما خذل الله المشركين، تفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتالهم، فحاصرهم في حصنهم. فنزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، فحكم فيهم، أن تقتل مقاتليهم، وتسبى ذراريهم، وتغنم أموالهم. فأتم الله لرسوله والمؤمنين المنة، وأسبغ عليهم النعمة، وأقر أعينهم، بخذلان من انخذل من أعدائهم، وقتل من قتلوا، وأسر من أسروا، ولم يزل لطف الله بعباده المؤمنين مستمرا. * (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) * لما اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغيرة، وطلبن منه أمرا لا يقدر عليه في كل وقت، ولم يزلن في طلبهن متفقات، وفي مرادهن متعنتات شق ذلك على الرسول، حتى وصلت به الحال إلى أنه آلى منهن شهرا. فأراد الله أن يسهل الأمر على رسوله، وأن يرفع درجة زوجاته، ويذهب عنهن كل أمر ينقص أجرهن، فأمر رسوله أن يخيرهن فقال: * (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها) * أي: ليس لكن في غيرها مطلب، وصرتن ترضين لوجودها،
(٦٦٢)