تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٦٨
بصفاته المقدسة، وتنزيهه عما لا يليق بجلاله، وذكر أنواع العبودية، والدعوة إلى الله بأقرب طريق موصل إليه، وإعطاء كل ذي حق حقه، وإخلاص الدعوة إلى الله، لا إلى نفسه وتعظيمها، كما قد يعرض ذلك لكثير من النفوس في هذا المقام. وذلك كله * (بإذنه) * تعالى له في الدعوة وأمره وإرادته وقدره. الخامس: كونه * (سراجا منيرا) *، وذلك يقتضي أن الخلق في ظلمة عظيمة، لا نور يهتدى به في ظلماتها، ولا علم يستدل به في جهاتها. حتى جاء الله بهذا النبي الكريم، فأضاء الله به تلك الظلمات، وعلم به من الجهالات، وهدى به ضلالا إلى الصراط المستقيم. فأصبح أهل الاستقامة، قد وضح لهم الطريق، فمشوا خلف هذا الإمام وعرفوا به الخير والشر، وأهل السعادة من أهل الشقاوة، واستناروا به، لمعرفة معبودهم، وعرفوه بأوصافه الحميدة، وأفعاله السديدة، وأحكامه الرشيدة. وقوله: * (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) * ذكر في هذه الجملة، المبشرين، وهم المؤمنون، وعند ذكر الإيمان بمفرده، تدخل فيه الأعمال الصالحة. وذكر المبشر به، وهو الفضل الكبير، أي: العظيم الجليل، الذي لا يقادر قدره، من النصر في الدنيا، وهداية القلوب، وغفران الذنوب، وكشف الكروب، وكثرة الأرزاق الدارة، وحصول النعم السارة، والفوز برضا ربهم وثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه. وهذا مما ينشط العاملين، أن يذكر لهم، من ثواب الله على أعمالهم، ما به يستعينون على سلوك الصراط المستقيم. وهذا من جملة حكم المشرع، كما أن من حكمه، أن يذكر في مقام الترهيب، العقوبات المترتبة على ما يرهب منه، ليكون عونا على الكف عما حرم الله. ولما كان ثم طائفة من الناس، مستعدة للقيام بصد الداعين إلى الله، من الرسل وأتباعهم، وهم المنافقون، الذين أظهروا الموافقة في الإيمان، وهم كفرة فجرة في الباطن، والكفار ظاهرا وباطنا، نهى الله رسوله عن طاعتهم، وحذره ذلك فقال: * (ولا تطع الكافرين والمنافقين) * أي: في كل أمر يصد عن سبيل الله. ولكن لا يقتضي هذا أذاهم، بل لا تطعهم * (ودع أذاهم) * فإن ذلك، جالب لهم، وداع إلى قبول الإسلام، وإلى كف كثير من أذيتهم له، ولأهله. * (وتوكل على الله) * في إتمام أمرك، وخذلان عدوك. * (وكفى بالله وكيلا) * توكل إليه الأمور المهمة، فيقوم بها، ويسهلها على عبده. * (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا * يا أيها النبي إنآ أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك ممآ أفآء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجه م وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما) * يخبر تعالى المؤمنين، أنهم إذا نكحوا المؤمنات، ثم طلقوهن من قبل أن يمسوهن، فليس عليهن في ذلك عدة تعتدها أزواجهن عليهن. وأمرهم بتمتيعهن بهذه الحالة، بشيء من متاع الدنيا، الذي يكون فيه جبر لخواطرهن، لأجل فراقهن، وأن يفارقوهن فراقا جميلا، من غير مخاصمة، ولا مشاتمة، ولا مطالبة، ولا غير ذلك. ويستدل بهذه الآية، على أن الطلاق، لا يكون إلا بعد النكاح. فلو طلقها قبل أن ينكحها، أو علق طلاقها على نكاحها، لم يقع، لقوله: * (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) * فجعل الطلاق بعد النكاح. فدل على أنه قبل ذلك لا محل له. وإذا كان الطلاق الذي هو فرقة تامة، وتحريم تام، لا يقع قبل النكاح، فالتحريم الناقص، لظهار، أو إيلاء ونحوه، من باب أولى وأحرى، أن لا يقع قبل النكاح، كما هو أصح قولي العلماء. وعلى جواز الطلاق، لأن الله أخبر به عن المؤمنين، على وجه لم يلمهم عليه، ولم يؤنبهم، مع تصدير الآية بخطاب المؤمنين. وعلى جوازه قبل المسيس، كما قال في الآية الآخرى: * (لا جناح عليكم إن طلقتهم النساء من قبل أن تمسوهن) *. وعلى أن المطلقة قبل الدخول، لا عدة لها، بل بمجرد طلاقها يجوز لها التزوج، حيث لا مانع، وعلى أن عليها العدة، بعد الدخول. وهل المراد بالدخول والمسيس الوطء، كما هو مجمع عليه؟ أو، وكذلك الخلوة، ولو لم يحصل معها وطء، كما أفتى بذلك الخلفاء الراشدون، وهو الصحيح. فمتى دخل عليها، وطئها، أم لا، إذا خلا بها، وجب عليها العدة. وعلى أن المطلقة قبل المسيس، تمتع على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره، ولكن هذا إذا لم يفرض لها مهر، فإن كان لها مهر مفروض، فإنه إذا طلق قبل الدخول، تنصف المهر، وكفى عن المتعة. وعلى أنه ينبغي لمن فارق زوجته قبل الدخول أو بعده، أن يكون الفراق جميلا، يحمد فيه كل منهما الآخر. ولا يكون غير جميل، فإن في ذلك من الشر المترتب عليه، من قدح كل منهما بالآخر، شيء كثير. وعلى أن العدة حق للزوج. فقوله: * (فما لكم عليهن من عدة) * دل مفهومه، أن لو طلقها بعد المسيس، كان له عليها عدة. وعلى أن المفارقة
(٦٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 663 664 665 666 667 668 669 670 671 672 673 ... » »»