تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٦٥٧
كانوا فيه يختلفون) * وهذا القرآن يقص على بني إسرائيل، بعض الذي يختلفون فيه، فكل خلاف وقع بينهم، ووجد في القرآن تصديق لأحد القولين، فهو الحق، وما عداه مما خالفه، باطل. * (أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون * أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون) * يعني: أو لم يتبين لهؤلاء المكذبين للرسول، ويهدهم إلى الصواب. * (كم أهلكنا قبلهم من القرون) * الذين سلكوا مسلكهم. * (يمشون في مساكنهم) * فيشاهدونها عيانا، كقوم هود، وصالح، وقوم لوط. * (إن في ذلك لآيات) * يستدل بها، على صدق الرسل التي جاءتهم، وبطلان ما هم عليه، من الشرك والشر، وعلى أن من فعل مثل فعلهم، فعل به كما فعل بأشياعه من قبل. وعلى أن الله تعالى مجازي العباد، وباعثهم للحشر والتناد. * (أفلا يسمعون) * آيات الله، فيعونها، فينتفعون بها. فلو كان لهم سمع صحيح، وعقل رجيح، لم يقيموا على حالة يجزم بها بالهلاك. * (أو لم يروا) * بأبصارهم نعمتنا، وكمال حكمتنا * (أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز) * التي لا نبات فيها، فيسوق الله المطر، الذي لم يكن قبل موجودا فيها، فيفرغه فيها، من السحاب، أو من الأنهار. * (فنخرج به زرعا) * أي: نباتا، مختلف الأنواع * (تأكل منه أنعامهم) * وهو نبات البهائم * (وأنفسهم) * وهو طعام الآدميين. * (أفلا يبصرون) * تلك المنة، التي أحيا الله بها البلاد والعباد، فيستبصرون فيهتدون بذلك البصر، وتلك البصيرة، إلى الصراط المستقيم. ولكن غلب عليهم العمى، واستولت عليهم الغفلة، فلم يبصروا في ذلك بصر الرجال. وإنما نظروا إلى ذلك نظر الغفلة، ومجرد العادة، فلم يوفقوا للخير. * (ويقولون متى ه ذا الفتح إن كنتم صادقين * قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون * فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون) * أي: يستعجل المجرمون بالعذاب، الذي وعدوا به على التكذيب، جهلا منهم ومعاندة. * (ويقولون متى هذا الفتح) * الذي يفتح بيننا وبينكم، بتعذيبنا على زعمكم * (إن كنتم صادقين) * في دعواكم. * (قل يوم الفتح) * الذي يحصل به عقابكم، لا يستفيدون به شيئا. فلو كان إذا حصل، حصل إمهالكم، لتستدركوا ما فاتكم، حين صار الأمر عندكم يقينا، لكان لذلك وجه. ولكن إذا جاء يوم الفتح، انقضى الأمر، ولم يبق للمحنة والابتلاء محل إذ * (لا ينفع الذين كفروا إيمانهم) * لأنه صار إيمان ضرورة. * (ولا هم ينظرون) * أي: يمهلون، فيؤخر عنهم العذاب، فيستدركون أمرهم. * (فأعرض عنهم) * لما وصل خطابهم لك وظلمهم إلى حالة الجهل، واستعجال العذاب. * (وانتظروا) * الأمر الذي يحل بهم، فإنه لا بد منه، ولكن له أجل، إذا جاء لا يتقدم ولا يتأخر. * (إنهم منتظرون) * بك ريب المنون، ومتربصون بكم دوائر السوء، والعاقبة للتقوى. تم تفسير سورة السجدة. سورة الأحزاب * (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما * واتبع ما يوحى إل يك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا * وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) * أي: يا أيها الذي من الله عليه بالنبوة، واختصه بوحيه، وفضله على سائر الخلق. اشكر نعمة ربك عليك، باستعمال تقواه، التي أنت أولى بها من غيرك، والتي يجب عليك منها، أعظم من سواك، فامتثل أوامره ونواهيه، وبلغ رسالاته، وأد إلى عباده وحيه، وابذل النصيحة للخلق. ولا يصدنك عن هذا المقصود صاد، ولا يردك عنه راد. فلا تطع كل كافر، قد أظهر العداوة لله ولرسوله، ولا منافق، قد أبطن التكذيب والكفر، وأظهر ضده. فهؤلاء هم الأعداء على الحقيقة، فلا تطعهم في بعض الأمور، التي تنقض التقوى، وتناقضها، ولا تتبع أهواءهم، فيضلوك عن الصواب. * (و) * (لكن) * (اتبع ما يوحي إليك من ربك) * فإنه هو الهدى والرحمة. وارج بذلك ثواب ربك * (إن الله كان بما تعملون خبيرا) * يجازيكم بحسب ما يعلمه منكم، من الخير والشر. فإن وقع في قلبك، أنك إن لم تطعهم في أهوائهم المضلة، حصل عليك منهم ضرر، أو حصل نقص في هداية الخلق، فادفع ذلك عن نفسك، واستعمل ما يقاومه ويقاوم غيره، وهو التوكل على الله، بأن تعتمد على ربك، اعتماد من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة، ولا نشورا، في سلامتك من شرهم، وفي إقامة الدين، الذي أمرت به، وثق بالله في حصول ذلك الأمر على أي حال كان. * (وكفى بالله وكيلا) * توكل إليه الأمور، فيقوم بها، وبما هو أصلح للعبد. وذلك لعلمه بمصالح عبده، من حيث لا يعلم العبد، وقدرته على إيصالها إليه، من حيث لا يقدر عليها العبد، وأنه أرحم بعبده من نفسه، ومن والديه، وأرأف به من كل أحد،
(٦٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 652 653 654 655 656 657 658 659 660 661 662 ... » »»