عظيما) * لما ذكر تعالى ثواب زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وعقابهن لو قدر عدم الامتثال، وأنه ليس مثلهن أحد من النساء، وذكر بقية النساء غيرهن. ولما كان حكمهن وحكم الرجال واحد، جعل الحكم مشتركا فقال: * (إن المسلمين والمسلمات) * وهذا في الشرائع الظاهرة، إذا كانوا قائمين بها. * (والمؤمنين والمؤمنات) * وهذا في الأمور الباطنة، من عقائد القلب وأعماله. * (والقانتين) * أي: المطيعين لله ولرسوله * (والقانتات والصادقين) * في مقالهم وفعالهم * (والصادقات) *. * (والصابرين) * على الشدائد والمصائب * (والصابرات والخاشعين) * في جميع أحوالهم، خصوصا في عباداتهم، ولا سيما في صلواتهم * (والخاشعات) *. * (والمتصدقين) * فرضا ونفلا * (والمتصدقات والصائمين والصائمات) * شمل ذلك، الفرض والنفل. * (والحافظين فروجهم) * عن الزنا ومقدماته، * (والحافظات) *. * (والذاكرين الله كثيرا) * أي: في أكثر الأوقات، خصوصا أوقات الأوراد المقيدة، كالصباح والمساء، أو بالصلوات المكتوبات * (والذاكرات) *. * (أعد الله لهم) * أي: لهؤلاء الموصوفين بتلك الصفات الجميلة، والمناقب الجليلة، التي هي ما بين اعتقادات، وأعمال قلوب، وأعمال جوارح، وأقوال لسان، ونفع متعد وقاصر، وما بين أفعال الخير، وترك الشر، الذي من قام بهن، فقد قام بالدين كله، ظاهره وباطنه، بالإسلام والإيمان والإحسان. فجزاهم على عملهم * (مغفرة) * لذنوبهم؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات. * (وأجرا عظيما) * لا يقدر قدره، إلا الذي أعطاه، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله أن يجعلنا منهم. * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) * * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة) * أي: لا ينبغي ولا يليق، من اتصف بالإيمان، إلا الإسراع في مرضاة الله ورسوله، والهرب، من سخط الله ورسوله، وامتثال أمرهما، واجتناب نهيهما. فلا يليق بمؤمن ولا مؤمنة * (إذا قضى الله ورسوله أمرا) * من الأمور، وحتما به وألزما به * (أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) * أي: الخيار، هل يفعلونه أم لا؟ بل يعلم المؤمن والمؤمنة، أن الرسول أولى به من نفسه. فلا يجعل بعض أهواء نفسه حجابا بينه وبين أمر الله ورسوله. * (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) * أي: بينا؛ لأنه ترك الصراط المستقيم الموصلة إلى كرامة الله، إلى غيرها، من الطرق الموصلة للعذاب الأليم. فذكر أولا، السبب الموجب لعدم معارضة أمر الله ورسوله، وهو الإيمان. ثم ذكر المانع من ذلك، وهو التخويف بالضلال، الدال على العقوبة والنكال. * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيآئهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) * وكان سبب نزول هذه الآيات، أن الله تعالى، أراد أن يشرع شرعا عاما للمؤمنين، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة، من جميع الوجوه وأن أزواجهم، لا جناح على من تبناهم، في نكاحهن. وكان هذا من الأمور المعتادة، التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير، فأراد أن يكون هذا الشرع قولا من رسوله، وفعلا، وإذا أراد الله أمرا، جعل له سببا. فكان زيد بن حارثة يدعى (زيد بن محمد) قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم، فصار يدعى إليه حتى نزل: * (ادعوهم لآبائهم) * فقيل له: (زيد بن حارثة). وكانت تحته، زينب بنت جحش، ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد وقع في قلب الرسول، لو طلقها زيد، لتزوجها. فقدر الله أن يكون بينها وبين زيد، ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة، يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في فراقها. قال الله: * (وإذ تقول للذين أنعم الله عليه) * أي: بالإسلام * (وأنعمت عليه) * بالعتق والإرشاد، والتعليم، حين جاءك مشاورا في فراقها: فقلت: له ناصحا له ومخبرا بمصلحته، مقدما لها على رغبتك، مع وقوعها في قلبك: * (أمسك عليك زوجك) * أي: لا تفارقها، واصبر على ما جاءك منها. * (واتق الله) * تعالى في أمورك عامة، وفي أمر زوجك خاصة فإن التقوى تحث على الصبر، وتأمر به. * (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) * والذي أخفاه، أنه لو طلقها زيد، لتزوجها صلى الله عليه وسلم. * (وتخشى الناس) * في عدم إبداء ما في نفسك * (والله أحق أن تخشاه) *. فإن خشيته جالبة لكل خير، مانعة من كل شر. * (فلما قضى زيد منها وطرا) * أي: طابت نفسه، ورغب عنها، وفارقها. * (زوجناكها) * وإنما
(٦٦٥)