فعلنا ذلك، لفائدة عظيمة، وهي: * (لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم) * حيث رأوك تزوجت، زوج زيد بن حارثة، الذي كان من قبل، ينتسب إليك. ولما كان قوله: * (لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم) * عاما في جميع الأحوال، وكان من الأحوال، ما لا يجوز ذلك، وهو قبل انقضاء وطره منها، قيد ذلك بقوله: * (إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) * أي: لا بد من فعله، ولا عائق له ولا مانع. وفي هذه الآيات المشتملات على هذه القصة، فوائد: منها: الثناء على زيد بن حارثة، وذلك من وجهين: أحدهما: أن الله سماه في القرآن، ولم يسم من الصحابة باسمه غيره. والثاني: أن الله أخبر أنه أنعم عليه، أي: بنعمة الإسلام والإيمان، وهذه شهادة من الله له أنه مسلم مؤمن، ظاهرا وباطنا، وإلا فلا وجه لتخصيصه بالنعمة، إلا أن المراد بها، النعمة الخاصة. ومنها: أن المعتق في نعمة المعتق. ومنها: جواز تزوج زوجة الدعي، كما صرح به. ومنها: أن التعليم الفعلي، أبلغ من القولي، خصوصا إذا اقترن بالقول، فإن ذلك نور على نور. ومنها: أن المحبة في قلب العبد، لغير زوجته ومملوكته، ومحارمه، إذا لم يقترن بها محذور، لا يأثم عليها العبد، ولو اقترن بذلك أمنيته، أن لو طلقها زوجها، لتزوجها من غير أن يسعى في فرقة بينهما، أو يتسبب بأي سبب كان. لأن الله أخبر، الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أخفى ذلك في نفسه. ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد بلغ البلاغ المبين، فلم يدع شيئا مما أوحى إليه، إلا وبلغه، حتى هذا الأمر، الذي فيه عتابه. وهذا يدل، على أنه رسول الله، ولا يقول إلا ما أوحي إليه ولا يريد تعظيم نفسه. ومنها: أن المستشار مؤتمن، يجب عليه إذا استشير في أمر من الأمور أن يشير بما يعمله أصلح للمستشير، ولم لم يكن للمستشار حظ نفس، بتقدم مصلحة المستشير على هوى نفسه وغرضه. ومنها: أن الرأي الحسن لمن استشار في فراق زوجة أن يؤمر بإمساكها مهما أمكن صلاح الحال، فهو أحسن من الفرقة. ومنها: أنه يتعين، أن يقدم العبد خشية الله، على خشية الناس، وأنها أحق منها وأولى. ومنها: فضيلة أم المؤمنين، زينب رضي الله عنها، حيث تولى الله تزويجها، من رسوله صلى الله عليه وسلم، دون خطبة ولا شهود، ولهذا كانت تفتخر بذلك على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات. ومنها: أن المرأة، إذا كانت ذات زوج، لا يجوز نكاحها، ولا السعي فيه وفي أسبابه، حتى يقضي زوجها وطره منها، ولا يقضي وطره، حتى تنقضي عدتها، لأنها قبل انقضاء عدتها، هي في عصمته، أو في حقه الذي له وطر إليها، ولو من بعض الوجوه. * (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا) * هذا دفع لطعن من طعن في الرسول صلى الله عليه وسلم، في كثرة أزواجه، وأنه طعن، بما لا مطعن فيه فقال: * (ما كان على النبي من حرج) * أي: إثم وذنب. * (فيما فرض الله له) * أي: قدر له من الزوجات، فإن هذا، قد أباحه الله له، كما أباحه للأنبياء قبله، ولهذا قال: * (سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا) * أي: لا بد من وقوعه. * (الذين يبلغون رسالات الله) * فيتلون على العباد آيات الله، وحججه وبراهينه، ويدعونهم إلى الله * ( ويخشونه) * وحده لا شريك له * (ولا يخشون أحدا) * إلا الله. فإذا كان هذا سنة في الأنبياء المعصومين، الذين وظيفتهم قد أدوها وقاموا بها، أتم القيام، وهو: دعوة الخلق إلى الله، والخشية منه وحده التي تقتضي فعل كل مأمور، وترك كل محظور. * (وكفى بالله حسيبا) * محاسبا عباده، مراقبا أعمالهم. وعلم من هذا، أن النكاح، من سنن المرسلين. * (ما كان محمد أبآ أحد من رجالكم ول كن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما) * أي: * (ما كان) * الرسول * (محمد) * صلى الله عليه وسلم * (أبا أحد من رجالكم) * أيها الأمة. فقطع انتساب زيد بن حارثة منه، من هذا الباب. ولما كان هذا النفي عاما في جميع الأحوال، إن ظاهر اللفظ على
(٦٦٦)