الصحيح، ليس فيه شهوة لما حرم الله، فإن ذلك لا تكاد تميله ولا تحركه الأسباب، لصحة قلبه، وسلامته من المرض. بخلاف مريض القلب، الذي لا يتحمل ما يتحمل الصحيح، ولا يصبر على ما يصبر عليه. فأدنى سبب يوجد، ويدعوه إلى الحرام، يجيب دعوته، ولا يتعاصى عليه. فهذا دليل على أن الوسائل، لها أحكام المقاصد. فإن الخضوع بالقول، واللين فيه، في الأصل مباح. ولكن لما كان وسيلة إلى المحرم، منع منه. ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال، أن لا تلين لهم القول. ولما نهاهن عن الخضوع في القول، فربما توهم أنهن مأمورات بإغلاظ القول، دفع هذا بقوله: * (وقلن قولا معروفا) * أي: غير غليظ، ولا جاف كما أنه ليس بلين خاضع. وتأمل كيف قال: * (فلا تخضعن بالقول) * ولم يقل: (فلا تلن بالقول) وذلك لأن المنهي عنه، القول اللين، الذي فيه خضوع المرأة للرجل، وانكسارها عنده. والخاضع، هو الذي يطمع فيه. بخلاف من تكلم كلاما لينا، ليس فيه خضوع، بل ربما صار فيه ترفع وقهر للخصم، فإن هذا، لا يطمع فيه خصمه. ولهذا مدح الله رسوله باللين فقال: * (فبما رحمة من الله لنت لهم) * وقال لموسى وهارون: * (اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) *. ودل قوله: * (فيطمع الذي في قلبه مرض) * مع أمره بحفظ الفرج وثنائه على الحافظين لفروجهم والحافظات، ونهيه عن قربان الزنا، أنه ينبغي للعبد، إذا رأى من نفسه هذه الحالة، وأنه يهش لفعل المحرم عندما يرى، أو يمسع كلام من يهواه، ويجد دواعي طمعه قد انصرفت إلى الحرام. فليعرف أن ذلك مرض. فليجتهد في إضعاف هذا المرض وحسم الخواطر الردية، ومجاهدة نفسه على سلامتها من هذا المرض الخطر، وسؤال الله العصمة والتوفيق، وأن ذلك من حفظ الفرج المأمور به. * (وقرن في بيوتكن) * أي: اقررن فيها، لأنه أسلم وأحفظ لكن. * (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) * أي: لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات، كعادة أهل الجاهلية الأولى، الذين لا علم عندهم ولا دين، فكل هذا دفع للشر وأسبابه. ولما أمرهن بالتقوى عموما، وبجزئيات من التقوى، نص عليها لحاجة النساء إليها كذلك، أمرهن بالطاعة، خصوصا الصلاة والزكاة، اللتان يحتاجهما، ويضطر إليهما كل أحد، وهما أكبر العبادات، وأجل الطاعات. وفي الصلاة، الإخلاص للمعبود، وفي الزكاة، الإحسان إلى العبيد. ثم أمرهن بالطاعة عموما، فقال: * (وأطعن الله ورسوله) * يدخل في طاعة الله ورسوله، كل أمر، أمرا به أمر إيجاب أو استحباب. * (أنما يريد الله) * بأمركن بما أمركن به، ونهيكن عما نهاكن عنه. * (ليذهب عنكم الرجس) * أي: الأذى، والشر، والخبث، يا * (أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * حتى تكونوا طاهرين مطهرين. أي: فاحمدوا ربكم، واشكروه على هذه الأوامر والنواهي، التي أخبركم بمصلحتها، وأنها محض مصلحتكم، لم يرد الله أن يجعل عليكم بذلك حرجا ولا مشقة، بل لتتزكى نفوسكم، وتتطهر أخلاقكم، وتحسن أعمالكم ويعظم بذلك أجركم. ولما أمرهن بالعمل، الذي هو فعل وترك، أمرهن بالعلم، وبين لهن طريقه فقال: * (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) * والمراد بآيات الله، القرآن، والحكمة: أسراره، وسنة رسوله. وأمرهن بذكره، يشمل ذكر لفظه، بتلاوته، وذكر معناه، بتدبره والتفكر فيه، واستخراج أحكامه وحكمه، وذكر العمل به وتأويله. * (إن الله كان لطيفا خبيرا) * يدرك سرائر الأمور، وخفايا الصدور، وخبايا السماوات والأرض، والأعمال التي تبين وتسر. فلطفه وخبرته، يقتضي حثهن على الإخلاص وإسرار الأعمال، ومجازاة الله على تلك الأعمال. ومن معاني (اللطيف) الذي يسوق عبده إلى الخير، ويعصمه من الشر، بطرق خفية لا يشعر بها، ويسوق إليه من الرزق، ما لا يدريه، ويريه من الأسباب، التي تكرهها النفوس: ما يكون ذلك طريقا له، إلى أعلى الدرجات، وأرفع المنازل. * (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحاف ظات والذاك رين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا
(٦٦٤)