* (أفلا تتذكرون) * فتعلمون أن خالق الأرض والسماوات، المستوي على العرش العظيم، الذي انفرد بتدبيركم، وتوليكم، وله الشفاعة كلها، هو المستحق لجميع أنواع العبادة. * (يدبر الأمر) * القدري والأمر الشرعي، الجميع هو المتفرد بتدبيره، نازلة تلك التدابير من عند الملك القدير * (من السماء إلى الأرض) * فيسعد بها ويشقي، ويغني ويفقر، ويعز، ويذل، ويكرم، ويهين، ويرفع أقواما، ويضع آخرين، وينزل الأرزاق. * (ثم يعرج إليه) * أي: الأمر ينزل من عنده، ويعرج إليه * (في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) * وهو يعرج إليه، ويصله في لحظة. * (ذلك) * الذي خلق تلك المخلوقات العظيمة، الذي استوى على العرش العظيم، وانفرد بالتدابير في المملكة * (عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم) *. فبسعة علمه، وكمال عزته، وعموم رحمته، أوجدها، وأودع فيها من المنافع ما أودع، ولم يعسر عليه تدبيرها. * (الذي أحسن كل شيء خلقه) * أي: كل مخلوق خلقه الله، فإن الله أحسن خلقه، وخلقه خلقا يليق به، ويوافقه فهذا عام. ثم خص الآدمي لشرفه وفضله فقال: * (وبدأ خلق الإنسان من طين) * وذلك بخلق آدم عليه السلام، أبي البشر. * (ثم جعل نسله) * أي: ذرية آدم ناشئة * (من سلالة من ماء مهين) * وهو النطفة المستقذرة الضعيفة. * (ثم سواه) * بلحمه، وأعضائه، وأعصابه، وعروقه، وأحسن خلقته، ووضع كل عضو منه، بالمحل الذي لا يليق به غيره. * (ونفخ فيه من روحه) * بأن أرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، فيعود بإذن الله، حيوانا، بعد أن كان جمادا. * (وجعل لكم السمع والأبصار) * أي: ما زال يعطيكم من المنافع شيئا فشيئا، حتى أعطاكم السمع والأبصار * (والأفئدة قليلا ما تشكرون) * الذي خلقكم وصوركم. * (وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقآء ربهم كافرون * قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) * أي: قال المكذبون بالبعث على وجه الاستبعاد: * (أإذا ضللنا في الأرض) * أي: بلينا وتمزقنا، وتفرقنا في المواضع التي لا تعلم. * (أإنا لفى خلق جديد) * أي: لمبعوثون بعثا جديدا. بزعمهم أن هذا من أبعد الأشياء، وذلك بقياسهم قدرة الخالق، على قدرهم. وكلامهم هذا، ليس لطلب الحقيقة، وإنما هو ظلم، وعناد، وكفر بلقاء ربهم وجحد، ولهذا قال: * (بل هم بلقاء ربهم كافرون) * فكلامهم على مصدره وغايته. وإلا، فلو كان قصدهم بيان الحق، لبين لهم من الأدلة القاطعة على ذلك، ما يجعله مشاهدا للبصيرة، بمنزلة الشمس للبصر. ويكفيهم علمهم أنهم قد ابتدؤوا من العدم، فالإعادة أسهل من الابتداء، وكذلك الأرض الميتة، ينزل الله عليها المطر، فتحيا بعد موتها، وينبت به متفرق بذورها. * (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) * أي: جعله الله وكيلا على قبض الأرواح، وله أعوان. * (ثم إلى ربكم ترجعون) * فيجازيكم بأعمالكم، وقد أنكرتم البعث، فانظروا ماذا يفعل الله بكم. * (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنآ أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون * ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ول كن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين * فذوقوا بما نسيتم لقآء يومكم ه ذآ إنا نسيناكم وذوق وا عذاب الخلد بما كنتم تعملون) * لما ذكر تعالى رجوعهم إليه يوم القيامة، ذكر حالهم في مقاقمه بين يديه، فقال: * (ولو ترى إذا المجرمون) * الذين أصروا على الذنوب العظيمة. * (ناكسو رؤوسهم عند ربهم) * خاشعين خاضعين أذلاء، مقرين بجرمهم، سائلين الرجعة قائلين: * (ربنا أبصرنا وسمعنا) * أي؛ بان لنا الأمر، ورأيناه عيانا، فصار عين يقين. * (فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون) * أي: صار عندنا الآن، يقين بما كنا نكذب به. أي لرأيت أمرا فظيعا، وحالا مزعجة، أقواما خاسرين، وسؤالا غير مجاب، لأنه قد مضى وقت الإمهال. وكل هذا بقضاء الله وقدره، حيث خلى بينهم وبين الكفر والمعاصي، فلهذا قال: * (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) * أي: لهدينا الناس كلهم، وجمعناهم على الهدى. فمشيئتنا صالحة لذلك، ولكن الحكمة، تأبى أن يكونوا كلهم على الهدى، ولهذا قال: * (ولكن حق القول مني) * أي: وجب، وثبت
(٦٥٤)