تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٨١
لرسالته، ويختصه بتفضيله، ويعلم أعمالكم فيجازيكم عليها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. * (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) * أي: قال المكذبون للرسول، المكذبون بوعد الله ووعيده، الذين ليس في قلوبهم خوف الوعيد، ولا رجاء لقاء الخالق. * (لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا) * أي: هلا نزلت الملائكة، تشهد لك بالرسالة، وتؤيدك عليها، أو تنزل رسلا مستقلين، أو نرى ربنا، فيكلمنا، ويقول: هذا رسولي فاتبعوه؟ وهذا معارضة للرسول، بما ليس بمعارض، بل بالتكبر والعلو والعتو. * (لقد استكبروا في أنفسهم) * حيث اقترحوا هذا الاقتراح، وتجرؤوا هذه الجرأة، فمن أنتم يا فقراء، ويا مساكين. حتى تطلبوا رؤية الله، وتزعموا أن الرسالة، متوقف ثبوتها على ذلك؟ وأي كبر أعظم من هذا؟ * (وعتوا عتوا كبيرا) * أي: قسوا وصلبوا عن الحق، قساوة عظيمة، فقلوبهم أشد من الأحجار، وأصلب من الحديد، لا تلين للحق، ولا تصغي للناصحين، فلذلك لم ينجح فيهم وعظ ولا تذكير، ولا اتبعوا الحق، حين جاءهم النذير، بل قابلوا أصدق الخلق وأنصحهم، وآيات الله البينات، بالإعراض والتكذيب، فأي عتو أكبر من هذا العتو؟ ولذلك، بطلت أعمالهم، واضمحلت، وخسروا أشد الخسران. * (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين) * وذلك أنهم لا يرونها، مع استمرارهم، على جرمهم وعنادهم، إلا لعقوبتهم، وحلول البأس بهم. فأول ذلك عند الموت، إذا تنزلت عليهم الملائكة، قال الله تعالى: * (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت، والملائكة باسطو أيديهم، أخرجوا أنفسكم، اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق، وكنتم عن آياته تستكبرون) *. ثم في القبر، حيث يأتيهم منكر ونكير، فيسألانهم، عن ربهم، ونبيهم، ودينهم، فلا يجيبون جوابا ينجيهم، فيحلون بهم النقمة، وتزول عنهم بهم الرحمة، ثم يوم القيامة، حين تسوقهم الملائكة إلى النار، ثم يسلمونهم لخزنة جهنم، الذين يتولون عذابهم، ويباشرون عقابهم. فهذا الذي اقترحوه، وهذا الذي طلبوه، إن استمروا على إجرامهم لا بد أن يروه ويلقوه. وحينئذ يتعوذون من الملائكة، ويفرون، ولكن لا مفر لهم. * (ويقولون حجرا محجورا) * * (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) *. * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل) * أي: أعمالهم التي رجوا أن تكون خيرا لهم، وتعبوا فيها. * (فجعلناه هباء منثورا) * أي: باطلا مضمحلا، قد خسروه، وحرموا أجره، وعوقبوا عليه، وذلك لفقده الإيمان، وصدروه عن مكذب لله ورسله، فالعمل الذي يقبله الله، هو ما صدر من المؤمن المخلص، المصدق للرسل المتبع، لهم فيه. * (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) * أي: في ذلك اليوم الهائل، كثير البلابل * (أصحاب الجنة) * الذين آمنوا بالله، وعملوا صالحا، واتقوا ربهم * (خير مستقرا) * من أهل النار * (وأحسن مقيلا) * أي: مستقرهم في الجنة، وراحتهم التي هي القيلولة، هو المستقر النافع، والراحة التامة، لاشتمال ذلك، على تمام النعيم، الذي لا يشوبه كدر. بخلاف أصحاب النار، فإن جهنم مستقرهم * (ساءت مستقرا ومقيلا) * وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل، فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء، لأنه لا خير في مقيل أهل النار ومستقرهم، كقوله: * (آلله خير أما يشركون) *. * (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا * الملك يومئذ الحق للرحم ن وكان يوما على الكافرين عسيرا * ويوم يعض الظالم على يديه يقول يليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جآءني وكان الشيطان للإنسان خذولا) * يخبر تعالى عن عظمة يوم القيامة، وما فيه من الشدة والكروب، ومزعجات القلوب فقال: * (ويوم تشقق السماء بالغمام) * وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه، من فوق السماوات، فتنفطر له السماوات، وتشقق، وتنزل الملائكة كل سماء، فيقفون صفا صفا، إما صفا واحدا محيطا بالخلائق، وإما كل سماء، يكونون صفا، ثم السماء التي تليها صفا وهكذا. القصد أن الملائكة على كثرتهم وقوتهم ينزلون محيطين بالخلق، مذعنين لأمر ربهم، لا يتكلم منهم أحد إلا بإذن من الله، فما ظنك بالآدمي الضعيف، خصوصا، الذي بارز مالكه بالعظائم، وأقدم على مساخطه، ثم قدم عليه بذنوب وخطايا، لم يتب منها، فيحكم فيه الملك الخلاق، بالحكم الذي لا يجور، ولا يظلم مثقال ذرة، ولهذا قال: * (وكان يوما على الكافرين عسيرا) * لصعوبته الشديدة، وتعسر أموره عليه، بخلاف المؤمن، فإنه يسير عليه، خفيف الحمل. * (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) *. وقوله: * (الملك يومئذ) * أي: يوم القيامة * (الحق للرحمن) * لا يبقى لأحد من المخلوقين، ملك ولا صورة ملك، كما كانوا في الدنيا، بل قد تساوت الملوك ورعاياهم، والأحرار، والعبيد، والأشراف وغيرهم. ومما يرتاح له القلب، وتطمئن به النفس، وينشرح له
(٥٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 576 577 578 579 580 581 582 583 584 585 586 ... » »»