تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٩٢
* (ولأصلبنكم أجمعين) * لتختزوا، وتذلوا. فقال السحرة حين وجدوا حلاوة الإيمان، وذاقوا لذته: * (لا ضير) * أي: لا نبالي بما توعدتنا به * (إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا) * من الكفر والسحر، وغيرهما * (أن كنا أول المؤمنين) * بموسى، من هؤلاء الجنود. فثبتهم الله وصبرهم. فيحتمل أن فرعون، فعل ما توعدهم به، لسلطانه، واقتداره إذ ذاك ويحتمل، أن الله منعه منهم، ثم لم يزل فرعون وقومه، مستمرين على كفرهم، يأتيهم موسى بالآيات البينات، وكلما جاءتهم آية، وبلغت منهم كل مبلغ، وعدوا موسى، وعاهدوه لئن كشف الله عنهم، ليؤمنن به، وليرسلن معه بني إسرائيل، فيكشفه الله، ثم ينكثون. فلما يئس موسى من إيمانهم، وحقت عليهم كلمة العذاب، وآن لبني إسرائيل أن ينجيهم الله من أسرهم، ويمكن لهم في الأرض، أوحى الله إلى موسى: * (أن أسر بعبادي) * أي: اخرج ببني إسرائيل أول الليل، ليتمادوا، ويتمهلوا في ذهابهم. * (إنكم متبعون) * أي: سيتبعكم فرعون وجنوده. ووقع كما أخبر، فإنهم لما أصبحوا، إذا بنو إسرائيل، قد سروا كلهم مع موسى. * (فأرسل فرعون في المدائن حاشرين) * يجمعون الناس، ليوقع ببني إسرائيل، ويقول مشجعا لقومه * (إن هؤلاء) * أي: بني إسرائيل * (لشرذمة قليلون) * * (وإنهم لنا لغائظون) * فلا بد أن ننفذ غيظنا في هؤلاء العبيد، الذين أبقوا منا. * (وإنا لجميع حاذرون) * أي: الحذر على الجميع منهم، وهم أعداء للجميع، والمصلحة مشتركة. فخرج فرعون وجنوده، في جيش عظيم، ونفير عام، لم يتخلف منهم، سوى أهل الأعذار، الذين منعهم العجز. قال الله تعالى: * (فأخرجناهم من جنات وعيون) * أي: بساتين مصر وجناتها الفائقة، وعيونها المتدفقة، وزروع، قد ملأت أراضيهم، وعمرت بها حاضرتهم وبواديهم. * (وكنوز ومقام كريم) * يعجب الناظرين، ويلهي المتأملين، تمتعوا به دهرا طويلا، وقضوا بلذته وشهواته، عمرا مديدا، على الكفر والفساد، والتكبر على العباد والتيه العظيم. * (كذلك وأورثناها) * أي: هذه البساتين والعيون، والزروع، والمقام الكريم. * (بني إسرائيل) * الذين جعلوهم من قبل عبيدهم، وسخروا في أعمالهم الشاقة. فسبحان من يؤتي الملك من يشاء، وينزعه عمن يشاء، ويعز من يشاء بطاعته، ويذل من يشاء بمعصيته. * (فأتبعوهم مشرقين) * أي: اتبع قوم فرعون، قوم موسى، وقت شروق الشمس، وساقوا خلفهم محثين، على غيظ وحنق قادرين. * (فلما تراءى الجمعان) * أي: رأى كل منهما صاحبه، * (قال أصحاب موسى) * شاكين لموسى وحزنين * (إنا لمدركون) *، ف * (قال) * موسى، مثبتا لهم، ومخبرا لهم بوعد ربه الصادق: * (كلا) * أي: ليس الأمر كما ذكرتم، أنكم مدركون. * (إن معي ربي سيهدين) * لما فيه نجاتي ونجاتكم. * (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر) * فضربه * (فانفلق) * اثنى عشر طريقا * (فكان كل فرق كالطود) * أي: الجبل * (العظيم) * فدخله موسى وقومه. * (وأزلفنا ثم) * في ذلك المكان * (الآخرين) * أي: فرعون وقومه، وقربناهم، وأدخلناهم في ذلك الطريق، الذي سلك منه موسى وقومه. * (وأنجينا موسى ومن معه أجمعين) * استكملوا خارجين، لم يتخلف منهم أحد. * (ثم أغرقنا الآخرين) * لم يتخلف منهم عن الغرق أحد. * (إن في ذلك لآية) * عظيمة، على صدق ما جاء به موسى عليه السلام، وبطلان ما عليه فرعون وقومه. * (وما كان أكثرهم مؤمنين) * مع هذه الآيات، المقتضية للإيمان، لفساد قلوبهم. * (وإن ربك لهو العزيز الرحيم) * بعزته أهلك الكافرين المكذبين، وبرحمته نجى موسى، ومن معه أجمعين. * (واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم) * أي: واتل يا محمد على الناس، نبأ إبراهيم الخليل، وخبره الجليل، في هذه الحالة بخصوصها، وإلا، فله أنباء كثيرة، ولكن من أعجب أنبائه، وأفضلها، هذا النبأ المتضمن لرسالته، ودعوته قومه، ومحاجته إياهم، وإبطاله ما هم عليه، ولذلك قيده بالظرف فقال: * (إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا) * متبجحين بعبادتهم. * (نعبد أصناما) * ننحتها ونعملها بأيدينا. * (فنظل لها عاكفين) * أي: مقيمين على عبادتها في كثير من أوقاتنا. فقال لهم إبراهيم، مبينا عدم استحقاقهم للعبادة: * (هل يسمعونكم إذ تدعون) *، فيستجيبون دعاءكم، ويفرجون كربكم، ويزيلون عنكم كل مكروه؟ * (أو ينفعونكم أو يضرون) * فأقروا أن ذلك كله، غير موجود فيها، فلا تسمع دعاء، ولا تنفع، ولا تضر. ولهذا لما كسرها قال: * (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) *. قالوا له: * (لقد علمت ما
(٥٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 587 588 589 590 591 592 593 594 595 596 597 ... » »»