تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٧٦
طيبة) * أي: سلامكم بقولكم: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) أو (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) إذ تدخلون البيوت. * (تحية من عند الله) * أي: قد شرعها لكم، وجعلها تحيتكم، * (مباركة) * لاشتمالها على السلامة من النقص، وحصول الرحمة، والبركة، والنماء، والزيادة، * (طيبة) * لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله، الذي فيه طيب نفس للمحيا، ومحبة، وجلب مودة. لما بين لنا هذه الأحكام الجليلة قال: * (كذلك يبين الله لكم الآيات) * الدالات على أحكامه الشرعية وحكمها. * (لعلكم تعقلون) * عنه، فتفهمونها، وتعقلونها بقلوبكم، ولتكونوا من أهل العقول والألباب الرزينة، فإن معرفة أحكامه الشرعية، على وجهها، يزيد في العقل، وينمو به اللب، لكون معانيها، أجل المعاني، وآدابها أجل الأداب، ولأن الجزاء، من جنس العمل، فكما استعمل عقله، للعقل عن ربه، وللتفكر في آياته، التي دعاه إليها، زاده من ذلك. وفي هذه الآيات دليل على قاعدة عامة كلية وهي: أن (العرف والعادة مخصص للألفاظ، كتخصيص اللفظ للفظ). فإن الأصل، أن الإنسان، ممنوع من تناول طعام غيره، مع أن الله أباح الأكل من بيوت هؤلاء، للعرف والعادة. فكل مسألة، تتوقف على الإذن من مالك الشيء، إذا علم إذنه بالقول، أو العرف، جاز الإقدام عليه. وفيها دليل، على أن الأب، يجوز له أن يأخذ ويتملك، من مال ولده، ما لا يضره، لأن الله سمى بيته، بيتا للإنسان. وفيها دليل على أن المتصرف في بيت الإنسان، كزوجته، وأخته ونحوهما، يجوز لهما، الأكل عادة، وإطعام السائل المعتاد. وفيها دليل، على جواز المشاركة في الطعام، سواء أكانوا مجتمعين، أو متفرقين، ولو أفضى ذلك إلى أن يأكل بعضهم أكثر من بعض. * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أول ئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم * لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم * ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم) * هذا إرشاد من الله، لعباده المؤمنين، أنهم إذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، على أمر جامع، أي: من ضرورته أو مصلحته، أن يكونوا فيه جميعا، كالجهاد، والمشاورة، ونحو ذلك من الأمور التي يشترك فيها المؤمنون، فإن المصلحة، تقتضي اجتماعهم عليه، وعدم تفرقهم. فالمؤمن بالله ورسوله حقا، لا يذهب لأمر من الأمور، ولا يرجع لأهله، ولا يذهب لبعض الحوائج، التي يشذ بها عنهم، إلا بإذن من الرسول، أو نائبه من بعده. فجعل موجب الإيمان، عدم الذهاب إلا بإذن، ومدحهم على فعلهم هذا، وأدبهم مع رسوله، وولي الأمر منهم فقال: * (إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله) *، ولكن هل يأذن لهم أم لا؟ ذكر لإذنه شرطين: أحدهما: أن يكون لشأن من شؤونهم، وشغل من أشغالهم، فأما من يستأذن من غير عذر، فلا يؤذن له. والثاني: أن يشاء الإذن فتقتضيه المصلحة، من دون مضرة بالآذان فلذلك قال: * (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم) *، فإذا كان له عذر واستأذن، فإن كان في قعوده وعدم ذهابه، مصلحة برأيه، أو شجاعته، ونحو ذلك، لم يأذن له. ومع هذا إذا استأذن، وأذن له بشرطيه، أمر الله رسوله، أن يستغفر له، لما عسى أن يكون مقصرا في الاستئذان، ولهذا قال: * (فاستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم) * يغفر لهم الذنوب، ويرحمهم، بأن جوز لهم الاستئذان مع العذر. * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * فإذا دعاكم فأجيبوه وجوبا، حتى إنه تجب إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم، في حال الصلاة، وليس أحد إذا قال قولا، يجب على الأمة قبول قوله، والعمل به، إلا الرسول، لعصمته، وكوننا مخاطبين باتباعه، قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) *، وكذلك لا تجعلوا دعاءكم للرسول كدعاء بعضكم بعضا، فلا تقولوا: (يا محمد) عند ندائكم، أو (يا محمد بن عبد الله) كما يقول ذلك بعضكم لبعض، بل من شرفه وفضله وتميزه صلى الله عليه وسلم عن غيره، أن يقال: يا رسول الله، يا نبي الله. * (قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا) * لما مدح المؤمنين بالله ورسوله، الذين إذا كانوا معه على أمر جامع، لم يذهبوا حتى يستأذنوه، توعد من لم
(٥٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 571 572 573 574 575 576 577 578 579 580 581 ... » »»