يفعل ذلك، وذهب من غير استئذان. فهو وإن خفي عليكم بذهابه على وجه خفي وهو المراد بقوله * (يتسللون منكم لواذا) * أي: يلوذون وقت تسللهم وانطلاقهم، بشيء يحجبهم عن العيون، فالله يعلمهم وسيجازيهم على ذلك، أتم الجزاء، ولهذا توعدهم بقوله: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) * أي: يذهبون إلى بعض شؤونهم عن أمر الله ورسوله، فكيف بمن لم يذهب إلى شأن من شؤونه؟ وإنما ترك أمر الله، من دون شغل له. * (أن تصيبهم فتنة) * أي: شرك وشر * (أو يصيبهم عذاب أليم) *. * (ألا إن لله ما في السماوات والأرض) * ملكا وعبيدا، يتصرف فيهم بحكمه القدري، وحكمه الشرعي. * (قد يعلم ما أنتم عليه) * أي: قد أحاط علمه، بما أنتم عليه، من خير، وشر، وعلم جميع أعمالكم، أحصاها علمه، وجرى بها قلمه، وكتبتها عليكم الحفظة الكرام الكاتبون. * (ويوم يرجعون إليه) * أي: يوم القيامة * (فينبئهم بما عملوا) * يخبرهم بجميع أعمالهم، دقيقها، وجليلها، إخبارا مطابقا، لما وقع منهم ويستشهد عليهم، أعضاءهم، فلا يعدمون منه فضلا، أو عدلا. ولما قيد علمه بأعمالهم، ذكر العموم بعد الخصوص، فقال: * (والله بكل شيء عليم) *. تم تفسير سورة النور ولله الحمد والشكر. سورة الفرقان * (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا * الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا) * هذا بيان لعظمته الكاملة، وتفرده بالوحدانية من كل وجه، وكثرة خيراته وإحسانه، فقال: * (تبارك) * أي: تعاظم، وكملت أوصافه، وكثرت خيراته، الذي من أعظم خيراته ونعمه، أن * (نزل هذا القرآن) * الفارق بين الحلال والحرام، والهدى والضلال، وأهل السعادة من أهل الشقاوة. * (على عبده) * محمد صلى الله عليه وسلم الذي كمل مراتب العبودية، وفاق جميع المرسلين. * (ليكون) * ذلك الإنزال للفرقان على عبده * (للعالمين نذيرا) *، ينذرهم بأس الله ونقمه، ويبين لهم، مواقع رضا الله من سخطه، حتى إن من قبل نذارته، وعمل بها، كان من الناجين في الدنيا والآخرة، الذين حصلت لهم السعادة الأبدية، والملك السرمدي. فهل فوق هذه النعمة، وهذا الفضل والإحسان، شيء؟ فتبارك الذي هذا بعض إحسانه وبركاته. * (الذي له ملك السماوات والأرض) * أي: له التصرف فيهما وحده، وجميع من فيهما، مماليك وعبيد له، مذعنون لعظمته، خاضعون لربوبيته، فقراء إلى رحمته، الذي * (لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك) *. وكيف يكون له ولد، أو شريك، وهو المالك، وغيره مملوك، وهو القاهر، وغيره مقهور، وهو الغني بذاته، من جميع الوجوه، والمخلوقون، مفتقرون إليه، فقراء من جميع الوجوه؟ وكيف يكون له شريك في الملك، ونواصي العباد كلهم بيديه، فلا يتحركون أو يسكنون، ولا يتصرفون، إلا بإذنه، فتعالى الله عن ذلك، علوا كبيرا، فلم يقدره حق قدره، من قال فيه ذلك، ولهذا قال: * (وخلق كل شيء) * شمل العالم العلوي، والعالم السفلي، من حيواناته، ونباتاته، وجماداته. * (فقدره تقديرا) * أي: أعطى كل مخلوق منها، ما يليق به، ويناسبه من الخلق، وما تقتضيه حكمته، من ذلك، بحيث صار كل مخلوق، لا يتصور العقل الصحيح، أن يكون بخلاف شكله، وصورته المشاهدة، بل كل جزء وعضو من المخلوق الواحد، لا يناسبه غير محله، الذي هو فيه. قال تعالى: * (سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى) *، وقال تعالى: * (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) *. * (واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حي اة ولا نشورا) * ولما بين كماله وعظمته، وكثرة إحسانه، كان ذلك مقتضيا لأن يكون وحده، المحبوب المألوه، المعظم، المفرد بالإخلاص وحده، لا شريك له ناسب أن يذكر بطلان عبادة ما سواه فقال: * (واتخذوا) * إلى قوله: * (ولا نشورا) *. أي: من أعجب العجائب، وأول الدليل على سفههم، ونقص عقولهم، بل أدل على ظلمهم، وجراءتهم على ربهم، أن اتخذوا آلهة بهذه الصفة وبلغ من عجزها، أنها لا تقدر على خلق شيء، بل هم مخلوقون، بل بعضهم مما عملته أيديهم. * (ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا) * أي: لا قليلا ولا كثيرا، لأنه نكرة في سياق النفي فتعم. * (ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا) * أي: بعثا بعد الموت، فأعظم أحكام العقل، بطلان إلهيتها، وفسادها، وفساد عقل من اتخذها آلهة، وشركاء
(٥٧٧)