يجوز لهن، أن يكشفن وجوههن، لأمن المحذور منها وعليها، ولما كان نفي الحرج عنهن، في وضع الثياب، ربما توهم منه جواز استعمالها لكل شيء، دفع هذا الاحتراز بقوله: * (غير متبرجات بزينة) * أي: غير مظهرات للناس، زينة من تجمل بثياب ظاهرة، وتستر وجهها، ومن ضرب الأرض، ليعلم ما تخفي من زينتها، لأن مجرد الزينة على الأنثى، ولو مع تسترها، ولو كانت لا تشتهى يفتتن فيها، ويوقع الناظر إليها في الحرج. * (وأن يستعففن خير لهن) *. والاستعفاف: طلب العفة، يفعل الأسباب المقتضية لذلك، من تزوج وترك لما يخشى منه الفتنة. * (والله سميع) * لجميع الأصوات * (عليم) * بالنيات والمقاصد، فليحذرن من كل قول وقصد فاسد وليعلمن أن الله يجازي على ذلك. * (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون) * يخبر تعالى، عن منته على عباده، وأنه لم يجعل عليم في الدين من حرج بل يسره غاية التيسير فقال: * (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) *، أي: ليس على هؤلاء جناح، في ترك الأمور الواجبة، التي تتوقف على واحد منها. وذلك كالجهاد ونحوه، مما يتوقف على بصر الأعمى، أو سلامة الأعرج أو صحة المريض، ولهذا المعنى العام، الذي ذكرناه، أطلق الكلام في ذلك، ولم يقيد، كما قيد قوله. * (ولا على أنفسكم) * أي: حرج * (أن تأكلوا من بيوتكم) * أي: بيوت أولادكم، وهذا موافق للحديث الثابت (أنت ومالك لأبيك) والحديث الآخر (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم). وليس المراد من قوله: * (من بيوتكم) * بيت الإنسان نفسه، فإن هذا من باب تحصيل الحاصل، الذي ينزه عنه كلام الله، ولأنه نفى الحرج عما يظن أو يتوهم فيه الإثم، من هؤلاء المذكورين، وأما بيت الإنسان نفسه، ليس فيه أدنى توهم. * (أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم) * وهؤلاء معروفون. * (أو ما ملكتم مفاتحه) * أي: البيوت التي أنتم متصرفون فيها بوكالة، أو ولاية ونحو ذلك، وأما تفسيرها بالمملوك، فليس بوجيه، لوجهين: أحدهما: أن المملوك، لا يقال فيه (ملكت مفاتحه)، بل يقال: (ما ملكتموه) أو (ما ملكت أيمانكم) لأنهم مالكون له جملة، لا لمفاتحه فقط. والثاني: أن بيوت المماليك، غير خارجة عن بيت الإنسان نفسه، لأن المملوك، وما ملكه، لسيده فلا وجه لنفي الحرج عنه. * (أو صديقكم) * وهذا الحرج المنفي من الأكل، من هذه البيوت كل ذلك، إذا كان بدون إذن، والحكمة فيه، معلومة من السياق، فبيوت هؤلاء المسمين، قد جرت العادة والعرف، بالمسامحة في الأكل منها، لأجل القرابة القريبة، أو التصرف التام، أو الصداقة، فلو قدر في أحد من هؤلاء عدم المسامحة والشح في الأكل المذكور، لم يجز الأكل ، ولم يرتفع الحرج، نظرا للحكمة والمعنى. وقوله: * (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) * فكل ذلك جائز. أكل أهل البيت الواحد جميعا، أو أكل كل واحد منهم وحده. وهذا نفي للحرج، لا نفي للفضيلة، وإلا، فالأفضل، الاجتماع على الطعام. * (فإذا دخلتم بيوتا) * نكرة في سياق الشرط، يشمل بيت الإنسان، وبيت غيره، سواء كان في البيت، ساكن أم لا، فإن دخلها الإنسان * (فسلموا على أنفسكم) * أي: فليسلم بعضكم على بعض، لأن المسلمين، كأنهم شخص واحد، من توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم. فالسلام مشروع، لدخول سائر البيوت، من غير فرق، بين بيت وبيت، والاستئذان تقدم أن فيه تفصيلا في أحكامه، ثم مدح هذا السلام فقال: * (تحية من عند الله مباركة
(٥٧٥)