ما عدا هذه الأحوال الثلاثة فقال: * (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن) *، أي: ليسوا كغيرهم: فإنهم يحتاج إليهم دائما، فيشق الاستئذان منهم في كل وقت، ولهذا قال: * (طوافون عليكم بعضكم على بعض) * أي: يترددون عليكم في قضاء أشغالكم وحوائجكم. * (كذلك يبين الله لكم الآيات) * بيانا مقرونا بحكمته، ليتأكد ويتقوى ويعرف به رحمة شارعه وحكمته. ولهذا قال: * (والله عليم حكيم) * له العلم، المحيط، بالواجبات، والمستحبات، والممكنات، والحكمة التي وضعت كل شيء موضعه، فأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، وأعطى كل حكم شرعي حكمه اللائق به ومنه هذه الأحكام، التي بينها وبين مآخذها وحسنها. * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) * وهو إنزال المني يقظة أو مناما، * (فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) * أي: في سائر الأوقات، والذين من قبلهم، هم الذين ذكرهم الله بقوله: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا) * الآية. * (كذلك يبين الله لكم آياته) * ويوضحها، ويفصل أحكامها * (والله عليم حكيم) *. وفي هاتين الآيتين فوائد. منها: أن السيد، وولي الصغير، مخاطبان بتعليم عبيدهم، ومن تحت ولايتهم من الأولاد، العلم والآداب الشرعية، لأن الله وجه الخطاب إليهم بقوله: * (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم) * الآية، فلا يمكن ذلك، إلا بالتعليم والتأديب، ولقوله: * (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن) *. ومنها: الأمر بحفظ العورات، والاحتياط لذلك من كل وجه، وأن المحل والمكان، الذي هو مظنة لرؤية عورة الإنسان فيه، أنه منهي عن الاغتسال فيه، والاستنجاء، ونحو ذلك. ومنها: جواز كشف العورة لحاجة، كالحاجة عند النوم، وعند البول والغائط، ونحو ذلك. ومنها: أن المسلمين كانوا معتادين القيلولة وسط النهار، كما اعتادوا نوم الليل، لأن الله خاطبهم، ببيان حالهم الموجودة. ومنها: أن الصغير الذي دون البلوغ، لا يجوز أن يمكن من رؤية العورة، ولا يجوز أن ترى عورته، لأن الله لم يأمر باستئذانهم، إلا عن أمر ما يجوز. ومنها: أن المملوك أيضا، لا يجوز أن يرى عورة سيده، كما أن سيده، لا يجوز أن يرى عورته، كما ذكرنا في الصغير. ومنها أنه ينبغي للواعظ والمعلم ونحوهما، ممن يتكلم في مسائل العلم الشرعي، أن يقرن بالحكم، ببيان مأخذه ووجهه، ولا يلقيه مجردا عن الدليل والتعليل، لأن الله لما بين الحكم المذكور علله بقوله: * (ثلاث عورات لكم) *. ومنها: أن الصغير والعبد، مخاطبان، كما أن وليهما مخاطب لقوله: * (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن) *. ومنها: أن ريق الصبي طاهر، ولو كان بعد نجاسة، كالقيء لقوله تعالى: * (طوافون عليكم) * مع قول النبي صلى الله عليه وسلم، حين سئل عن الهرة (إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات). ومنها: جواز استخدام الإنسان من تحت يده، من الأطفال على وجه معتاد، لا يشق على الطفل قوله: * (طوافون عليكم) *. ومنها: أن الحكم المذكور المفصل، إنما هو لما دون البلوغ، وأما ما بعد البلوغ، فليس إلا الاستئذان. ومنها: أن البلوغ يحصل بالإنزال، فكل حكم شرعي رتب على البلوغ، حصل بالإنزال، وهذا مجمع عليه، وإنما الخلاف، هل يحصل البلوغ بالسن، أو الإنبات للعانة، والله أعلم. * (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم) * * (والقواعد من النساء) * اللاتي قعدن عن الاستمتاع والشهوة * (اللاتي لا يرجون نكاحا) * أي: لا يطمعن في النكاح، ولا يطمع فيهن، وذلك لكونها عجوزا لا تشتهى ولا تشتهي، أو دميمة الخلقة، لا تشتهى، * (فليس عليهن جناح) * أي: حرج وإثم * (أن يضعن ثيابهن) * أي: الثياب الظاهرة، كالخمار ونحوه، الذي قال الله فيه للنساء: * (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) *. فهؤلاء،
(٥٧٤)