تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٦٥
* (ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) * إذا عاملتم عبيده، بالعفو والصفح، عاملكم بذلك، فقال أبو بكر لما سمع هذه الآية: بلى، والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع النفقة إلى مسطح. وفي هذه الآية دليل على النفقة على القريب، وأنه لا تترك النفقة والإحسان بمعصية الإنسان، والحث على العفو والصفح، ولو جرى منه ما جرى من أهل الجرائم. ثم ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال: * (إن الذين يرمون المحصنات) * أي: العفائف عن الفجور * (الغافلات) * اللاتي لم يخطر ذلك بقلوبهن * (المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة) * واللعنة، لا تكون إلا على ذنب كبير. وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين. * (ولهم عذاب عظيم) * وهذا زيادة على اللعنة، أبعدهم عن رحمته، وأحل بهم شدة نقمته. وذلك العذاب يوم القيامة * (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) * فكل جارحة تشهد عليهم بما عملته، ينطقها الذي أنطق كل شيء، فلا يمكنه الإنكار. ولقد عدل في العباد، من جعل شهودهم من أنفسهم. * (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) * أي: جزاءهم على أعمالهم، الجزاء الحق، الذي بالعدل والقسط، يجدون جزاءها موفرا، لم يفقدوا منها شيئا. * (ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) *، ويعلمون في ذلك الموقف العظيم، أن الله هو الحق المبين فيعلمون انحصار الحق المبين في الله تعالى. فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، وعبادته هي الحق، ولقاؤه حق، ووعيده حق، وحكمه الديني والجزائي حق، ورسله حق، فلا ثم حق، إلا في الله، وما من الله. * (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات) * أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، وكل طيب من الرجال والنساء، والكلمات، والأفعال، مناسب للطيب، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له. فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته، أن الأنبياء خصوصا أولي العزم منهم، خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق، على الإطلاق، لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء. فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك، من قصد المنافقين. فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة، من هذا الأمر القبيح. فكيف وهي ما هي؟ صديقة النساء، وأفضلهن، وأعلمهن، وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه، وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها؟!! ثم صرح بذلك، بحيث لا يبقى لمبطل مقالا، ولا لشك وشبهة مجالا فقال: * (أولئك مبرؤون مما يقولون) * والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا، وللمؤمنات المحصنات الغافلات، تبعا لها. * (لهم مغفرة) * تستغرق الذنوب * (ورزق كريم) * في الجنة صادر من الرب الكريم. * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) * يرشد الباري عباده المؤمنين، أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان. فإن في ذلك عدة مفاسد: منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر). فبسبب الإخلال به، يقع البصر على العورات، التي داخل البيوت، فإن البيت للإنسان، في ستر عورة ما وراءه، بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده. ومنها: أن ذلك، يوجب الريبة من الداخل، ويتهم بالشر، سرقة أو غيرها، لأن الدخول خفية، يدل على الشر. ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم * (حتى تستأنسوا) * أي: تستأذنوا. سمي الاستئذان استئناسا، لأن به يحصل الاستئناس، وبعدمه تحصل الوحشة. * (وتسلموا على أهلها) *. وصفة ذلك، ما جاء في الحديث (السلام عليكم، أأدخل)؟ * (ذلكم) * أي: الاستئذان المذكور * (خير لكم لعلكم تذكرون) * لاشتماله على عدة مصالح، وهو من مكارم الأخلاق الواجبة، فإن أذن، دخل المستأذن. * (فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا) * أي: فلا تمتنعوا من الرجوع، ولا تغضبوا منه. فإن صاحب المنزل، لم يمنعكم حقا واجبا لكم، وإنما هو متبرع، فإن شاء أذن، أو منع، فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز، من هذه الحال. * (هو أزكى لكم) * أي: أشد لتطهيركم من السيئات، وتنميتكم بالحسنات. * (والله بما تعملون عليم) * فيجازي كل عامل بعمله، من كثرة وقلة، وحسن، وعدمه. هذا الحكم، في البيوت المكسونة، سواء كان فيها متاع للإنسان، أم لا، وفي البيوت غير المسكونة، التي لا متاع فيها للإنسان. وأما البيوت التي ليس فيها أهلها، وفيها متاع الإنسان المحتاج للدخول إليه، وليس فيها أحد يتمكن من استئذانه، وذلك كبيوت الكراء وغيرها، فقد ذكرها بقوله: * (ليس عليكم جناح) * أي: حرج وإثم، دل على أن الدخول من غير استئذان في البيوت السابقة، أنه محرم،
(٥٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 560 561 562 563 564 565 566 567 568 569 570 ... » »»