تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٧١
الأبصار) * أي: ألم تشاهد ببصرك، عظيم قدرة الله، وكيف * (يزجى) *، أي: يسوق * (سحابا) * قطعا متفرقة * (ثم يؤلف) * بين تلك القطع، فيجعله سحابا متراكما، مثل الجبال. * (فترى الودق) * أي: الوابل والمطر، يخرج من خلال السحابة، نقطا متفرقة، ليحصل بها الانتفاع، من دون ضرر، فتمتلىء بذلك، الغدران، وتتدفق الخلجان، وتسيل الأودية، وتنبت الأرض من كل زوج كريم، وتارة ينزل الله من ذلك السحاب، بردا يتلف ما يصيبه. * (فيصيب به من يشاء، ويصرفه عن من يشاء) * أي: بحسب اقتضاء حكمه القدري، وحكمته التي يحمد عليها. * (يكاد سنا برقه) * أي: يكاد ضوء برق ذلك السحاب، من شدته * (يذهب بالأبصار) *، أليس الذي أنشأها وساقها لعباده المفتقرين، وأنزلها على وجه يحصل به النفع وينتفي به الضرر، كامل القدرة، نافذ المشيئة، واسع الرحمة؟ * (يقلب الله الليل والنهار) * من حر إلى برد، ومن برد إلى حر، ومن ليل إلى نهار، ومن نهار إلى ليل، ويديل الأيام بين عباده. * (إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) * أي: لذوي البصائر، والعقول النافذة للأمور المطلوبة منها، كما تنفذ الأبصار إلى الأمور المشاهدة الحسية. فالبصير، ينظر إلى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكير، وتدبر لما أريد بها ومنها، والمعرض الجاهل، نظره إليها نظر غفلة، بمنزلة نظر البهائم. * (والله خلق كل دآبة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير) * ينبه عباده على ما يشاهدونه، أنه خلق جميع الدواب، التي على وجه الأرض، * (من ماء) * أي: مادتها كلها، الماء، كما قال تعالى: * (وجعلنا من الماء كل شيء حي) *. فالحيوانات التي تتوالد، مادتها، ماء النطفة، حين يلقح الذكر الأنثى. والحيوانات التي تتولد من الأرض، لا تتولد إلا من الرطوبات المائية، كالحشرات لا يوجد منها شيء، يتولد من غير ماء أبدا. فالمادة واحدة، ولكن الخلقة مختلفة، من وجوه كثيرة، * (فمنهم من يمشي على بطنه) * كالحية ونحوها، * (ومنهم من يمشي على رجلين) * كالآدميين، وكثير من الطيور، * (ومنهم من يمشي على أربع) * كبهيمة الأنعام ونحوها. فاختلافها مع أن الأصل واحد يدل على نفود مشيئة الله، وعموم قدرته، ولهذا قال: * (يخلق الله ما يشاء) * أي: من المخلوقات، على ما يشاؤه من الصفات. * (إن الله على كل شيء قدير) * كما أنزل المطر على الأرض، وهو لقاح واحد، والأم واحدة، وهي الأرض، والأولاد مختلفو الأصناف والأوصاف * (وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) *. * (لقد أنزلنآ آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * أي: لقد رحمنا عبادنا، وأنزلنا إليهم آيات بينات، أي: واضحات الدلالة، على جميع المقاصد الشرعية، والآداب المحمودة، والمعارف الرشيدة. فاتضحت بذلك السبيل، وتبين الرشد من الغي، والهدى من الضلال، فلم يبق أدنى شبهة لمبطل، يتعلق بها، ولا أدنى إشكال، لمريد الصواب، لأنها تنزيل من كمل علمه، وكملت رحمته، وكمل بيانه، فليس بعد بيانه بيان (ليهلك) بعد ذلك (من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة). * (والله يهدي من يشاء) * ممن سبقت لهم سابقة الحسنى، وقدم الصدق. * (إلى صراط مستقيم) * أي: طريق واضح مختصر، موصل إليه، وإلى دار كرامته، متضمن العلم بالحق وإيثاره، والعمل به. عمم البيان التام لجميع الخلق، وخصص بالهداية من يشاء، فهذا فضله وإحسانه، وما فضل الكريم بممنون وذاك عدله، وقطع الحجة للمحتج والله أعلم حيث يجعل مع مواقع إحسانه. * (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك ومآ أول ئك بالمؤمنين * وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أول ئك هم الظالمون) * يخبر تعالى عن حالة الظالمين، ممن في قلبه مرض وضعف إيمان، أو نفاق، وريب، وضعف علم، أنهم يقولون بألسنتهم، ويلتزمون الإيمان بالله والطاعة، ثم لا يقومون بما قالوا، ويتولى فريق منهم عن الطاعة، توليا عظيما، بدليل قوله: * (وهم معرضون) * فإن المتولي، قد يكون له نية عود ورجوع إلى ما تولى عنه. وهذا المتولي، معرض، لا التفات له، ولا نظر لما تولى عنه، وتجد هذه الحالة مطابقة لحال كثير ممن يدعي الإيمان والطاعة لله وهو ضعيف الإيمان. وتجده لا يقوم بكثير من العبادات، خصوصا: العبادات، التي تشق على كثير من النفوس، كالزكاة، والنفقات الواجبة والمستحبة، والجهاد في سبيل الله ونحو ذلك. * (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم) * أي: إذا صار بينهم، وبين أحد،
(٥٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 566 567 568 569 570 571 572 573 574 575 576 ... » »»