قولا وعملا، فلا سبيل لكم إلى الهداية إلا بطاعته، وبدون ذلك، لا يمكن، بل هو محال. * (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) * أي: تبليغكم البين الذي لا يبقي لأحد، شكا ولا شبهة، وقد فعل صلى الله عليه وسلم، بلغ البلاغ المبين، وإنما الذي يحاسبكم، ويجازيكم، هو الله تعالى، فالرسول، ليس له من الأمر شيء، وقد قام بوظيفته. * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأول ئك هم الفاسقون) * هذا من وعوده الصادقة، التي شوهد تأويلها ومخبرها، فإنه وعد من قام، بالإيمان والعمل الصالح، من هذه الأمة، أن يستخلفهم في الأرض، فيكونون هم الخلفاء فيها، المتصرفين في تدبيرها، وأن يمكن لهم دينهم، الذي ارتضى لهم، وهو دين الإسلام، الذي فاق الأديان كلها. ارتضاه لهذه الأمة، لفضلها وشرفها ونعمته عليها، بأن يتمكنوا من إقامته، وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة، في أنفسهم وفي غيرهم، لكون غيرهم من أهل الأديان وسائر الكفار، مغلوبين ذليلين، وأنه يبدلهم أمنا من بعد خوفهم، حيث كان الواحد منهم، لا يتمكن من إظهار دينه، وما هو عليه إلا بأذى كثير من الكفار، وكون جماعة المسلمين قليلين جدا، بالنسبة إلى غيرهم، وقد رماهم أهل الأرض، عن قوس واحدة، وبغوا لهم الغوائل. فوعدهم الله هذه الأمور، وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض، والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، بحيث يعبدون الله، ولا يشركون به شيئا، ولا يخافون أحدا إلا الله، فقام صدر هذه الأمة، من الإيمان والعمل الصالح بما يفوق على غيرهم. فمكنهم من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام، والتمكين التام، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة. ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان، والعمل الصالح فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط الله عليهم الكفار والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان، بسبب إخلال المسلمين، بالإيمان والعمل الصالح. * (ومن كفر بعد ذلك) * التمكين والسلطنة التامة لكم، يا معشر المسلمين. * (فأولئك هم الفاسقون) * الذين خرجوا عن طاعة الله، وفسدوا، فلم يصلحوا لصالح، ولم يكن فيهم أهلية للخير، لأن الذي يترك الإيمان في حال عزه وقهره، وعدم وجود الأسباب المانعة منه، يدل على فساد نيته، وخبث طويته، لأنه لا داعي له لترك الدين، إلا ذلك. ودلت هذه الآية، أن الله قد مكن من قبلنا، واستخلفهم في الأرض، كما قال موسى لقومه: * (يستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) * وقال تعالى: * (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في) * (وأقيموا الص لاة وآتوا الزك اة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون * لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير) * يأمر تعالى بإقامة الصلاة، بأركانها، وشروطها، وآدابها، ظاهرا وباطنا، وبإيتاء الزكاة من الأموال، التي استخلف الله عليها العباد، وأعطاهم إياها، بأن يؤتوها الفقراء وغيرهم، ممن ذكرهم الله، لمصرف الزكاة. فهذان أكبر الطاعات وأجلها، جامعتان لحقه، وحق خلقه للإخلاص للمعبود، وللإحسان إلى العبيد، ثم عطف عليهما الأمر العام، فقال: * (وأطيعوا الرسول) * وذلك بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) *. * (لعلكم) * حين تقومون بذلك * (ترحمون) * فمن أراد الرحمة، فهذا طريقها، ومن رجاها من دون إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإطاعة الرسول، فهو متمن كاذب، وقد منته نفسه الأماني الكاذبة. * (لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض) * فلا يغررك ما متعوا به في الحياة الدنيا، فإن الله، وإن أمهلهم فإنه لا يهملهم * (نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) *. ولهذا قال هنا: * (ومأواهم النار ولبئس المصير) * أي: بئس المآل، مآل الكافرين، مآل الشر والحسرة، والعقوبة الأبدية. * (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل ص لاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم * وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم) * أمر المؤمنين أن يستأذنهم مماليكهم، والذين لم يبلغوا الحلم منهم. قد ذكر الله حكمته وأنه ثلاث عورات للمستأذن عليهم، وقت نومهم باليل بعد العشاء، وعند انتباههم قبل صلاة الفجر، فهذا في الغالب أن النائم يستعمل للنوم في الليل، ثوبا غير ثوبه المعتاد، وأما نوم النهار، فلو كان في الغالب قليلا، قد ينام فيه العبد بثيابه المعتادة، قيده بقوله: * (وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة) * أي: للقائلة، وسط النهار. ففي هذه الأحوال الثلاثة، يكون المماليك والأولاد الصغار، كغيرهم، لا يمكنون من الدخول إلا بإذن، وأما
(٥٧٣)