تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٦٢
الزاني بوجوب جلده وكذا رجمه، إن كان محصنا، وأنه لا تجوز مقارنته، ولا مخالطته على وجه لا يسلم فيه العبد من الشر، بين تعالى، تعظيم الإقدام على الأعراض بالرمي بالزنا فقال: * (والذين يرمون المحصنات) * أي: النساء الحرائر العفائف، وكذلك الرجال، لا فرق بين الأمرين، والمراد بالرمي الرمي بالزنا، بدليل السياق. * (ثم لم يأتوا) * على ما رموا به * (بأربعة شهداء) * أي: رجال عدول، يشهدون بذلك صريحا. * (فاجلدوهم ثمانين جلدة) * بسوط متوسط، يؤلم فيه، ولا يبالغ بذلك، حتى يتلفه، لأن القصد، التأديب، لا الإتلاف، وفي هذا تقرير حد القذف، ولكن بشرط، أن يكون المقذوف كما قال تعالى محصنا مؤمنا. وأما قذف غير المحصن، فإنه يوجب التعزير. * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * أي: لهم عقوبة أخرى، وهو أن شهادة القاذف، غير مقبولة، ولو حد على القذف، حتى يتوب كما يأتي. * (وأولئك هم الفاسقون) * أي: الخارجون عن طاعة الله، الذين قد كثر شرهم، وذلك لانتهاك ما حرم الله، وانتهاك عرض أخيه، وتسليط الناس على الكلام بما تكلم به وإزالة الأخوة التي عقدها الله بين أهل الإيمان، ومحبة أن تشيع الفاحشة، في الذين آمنوا، وهذا دليل، على أن القذف من كبائر الذنوب. وقوله: * (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) *، فالتوبة في هذا الموضع، أن يكذب القاذف نفسه، ويقر أنه كاذب فيما قال، وهو واجب عليه، أن يكذب نفسه ولو تيقن وقوعه، حيث لم يأت بأربعة شهداء. فإذا تاب القاذف وأصلح عمله، وبدل إساءته إحسانا، زال عنه الفسق، وكذلك تقبل شهادته على الصحيح، فإن الله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعا، لمن تاب وأناب، وإنما يجلد القاذف، إذا لم يأت بأربعة شهداء إذا لم يكن زوجا، فإن كان زوجا. * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليهآ إن كان من الصادقين * ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم) * فقد ذكر بقوله: * (والذين يرمون أزواجهم) * إلى: * (تواب حكيم) *. وإنما كانت شهادات الزوج على زوجته، دارئة عنه الحد، لأن الغالب، أن الزوج لا يقدم على رمي زوجته، التي يدنسه ما يدنسها إلا إذا كان صادقا. ولأن له في ذلك حقا، وخوفا من إلحاق أولاد، ليسوا منه به، ولغير ذلك من الحكم المفقودة في غيره فقال: * (والذين يرمون أزواجهم) * أي: الحرائر لا المملوكات. * (ولم يكن لهم) * على رميهم بذلك * (شهداء إلا أنفسهم) * بأن لم يقيموا شهداء، على ما رموهن به * (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين) *. سماها شهادة، لأنها نائبة مناب الشهود، بأن يقول: (أشهد بالله، إني لمن الصادقين، فيما رميتها به). * (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) * أي: يزيد في الخامسة مع الشهادة المذكورة، مؤكدا تلك الشهادات، بأن يدعو على نفسه، باللعنة إن كان كاذبا، فإذا تم لعانه، سقط عنه حد القذف. وظاهر الآيات، ولو سمى الرجل الذي رماها به، فإنه يسقط حقه، تبعا لها. وهل يقام عليها الحد، بمجرد لعان الرجل ونكولها أم تحبس؟ فيه قولان للعلماء. الذي يدل عليه الدليل، أنه يقام عليه الحد بدليل قوله: * (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد) * إلى آخره. فلولا أن العذاب وهو الحد قد وجب بلعانه، لم يكن لعانها دارئا له. ويدرأ عنها، أي: يدفع عنها العذاب، إذ قابلت شهادات الزوج، بشهادات من جنسها. * (أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين) * وتزيد في الخامسة، مؤكدة لذلك، أن تدعو على نفسها بالغضب، فإذا تم اللعان بينهما، فرق بينهما إلى الأبد، وانتفى الولد الملاعن عنه. وظاهر الآيات يدل على اشتراط هذه الألفاظ عند اللعان، منه ومنها، واشتراط الترتيب فيها، وأن لا ينقص منها شيء، ولا يبدل شيء بشيء. وأن اللعان مختص بالزوج إذا رمى امرأته، لا بالعكس وأن الشبه في الولد مع اللعان لا عبرة به، كما لا يعتبر مع الفراش، وإنما يعتبر الشبه حيث لا مرجح، إلا هو. * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم) * وجواب الشرط محذوف، يدل عليه سياق الكلام أي: لأحل بأحد المتلاعنين الكاذب منهما، ما دعا به على نفسه، ومن رحمته وفضله، ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين، لشدة الحاجة إليه، وأن بين
(٥٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 557 558 559 560 561 562 563 564 565 566 567 ... » »»