تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٦٧
الأجانب. وعلل تعالى ذلك، بأنهم لم يظهروا على عورات النساء، أي: ليس لهم علم بذلك، ولا وجدت فيهم الشهوة بعد. ودل هذا، أن المميز تستتر منه المرأة لأنه يظهر على عورات النساء. * (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) * أي: لا يضربن الأرض بأرجلهن، ليصوت ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة. ويؤخذ من هذا ونحوه، قاعدة سد الوسائل وأن الأمر إذا كان مباحا، ولكنه يفضي إلى محرم، أو يخاف من وقوعه، فإنه يمنع منه. فالضرب بالرجل في الأرض، الأصل أنه مباح، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة، منع منه. ولما أمر تعالى بهذه الأوامر الحسنة، ووصى بالوصايا المستحسنة وكان لا بد من وقوع تقصير من المؤمن بذلك أمر الله تعالى بالتوبة فقال: * (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون) * ثم علق على ذلك، الفلاح فقال: * (لعلكم تفلحون) * فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، وهي الرجوع مما يكرهه الله، ظاهرا وباطنا، إلى: ما يحبه ظاهرا وباطنا. ودل هذا، أن كل مؤمن، محتاج إلى التوبة، لأن الله خاطب المؤمنين جميعا. وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة، في قوله: * (وتوبوا إلى الله) * أي: لا لمقصد غير وجهه، من سلامة، من آفات الدنيا، أو رياء، وسمعة، أو نحو ذلك، من المقاصد الفاسدة. * (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) * يأمر تعالى الأولياء والأسياد، بإنكاح من تحت ولايتهم من الأيامى وهم: من لا أزواج لهم، من رجال، ونساء ثيبات، وأبكار. فيجب على القريب، وولي اليتيم، أن يزوج من يحتاج للزواج، ممن تجب نفقته عليه، وإذا كانوا مأمورين بإنكاح من تحت أيديهم، كان أمرهم بالنكاح بأنفسهم، من باب أولى. * (والصالحين من عبادكم وإمائكم) * يحتمل أن المراد بالصالحين، صلاح الدين، وأن الصالح من العبيد والإماء، وهو الذي لا يكون فاجرا زانيا، مأمور سيده بإنكاحه، جزاء له على صلاحه، وترغيبا له فيه. ولأن الفاسد بالزنا، منهي عن تزوجه، فيكون مؤيدا للمذكور في أول السورة، أن نكاح الزاني والزانية، محرم، حتى يتوب. ويكون التخصيص بالصلاح في العبيد والإماء، دون الأحرار، لكثرة وجود ذلك في العبيد عادة. ويحتمل أن المراد بالصالحين، الصالحون للتزوج المحتاجون إليه، من العبيد والإماء. يؤيد هذا المعنى، أن السيد غير مأمور بتزويج مملوكه، قبل حاجته إلى الزواج. ولا يبعد إرادة المعنيين كليهما، والله أعلم. وقوله: * (إن يكونوا فقراء) * أي: الأزواج والمتزوجين * (يغنهم الله من فضله) * فلا يمنعكم ما تتوهمون، من أنه إذا تزوج، افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه. وفيه حث على التزوج، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر. * (والله واسع) * كثير الخير عظيم الفضل * (عليم) * بمن يستحق فضله الديني والدنيوي، أو أحدهما، ممن لا يستحق، فيعطي كلا، ما علمه واقتضاه حكمه. * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) * هذا حكم العاجز عن النكاح، أمره الله أن يستعفف، أي: أن يكف عن المحرم، ويفعل الأسباب التي تكفه عنه، من صرف دواعي قلبه، بالأفكار التي تخطر بإيقاعه فيه. ويفعل أيضا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). وقوله: * (الذين لا يجدون نكاحا) * أي: لا يقدرون نكاحا إما لفقرهم أو فقر أوليائهم وأسيادهم، أو امتناعهم من تزويجهم، وليس لهم قدرة على إجبارهم على ذلك. وهذا التقدير، أحسن من تقدير من قدر (لا يجدون مهر نكاح). وجعلوا المضاف إليه نائبا مناب المضاف، فإن في ذلك محذورين. أحدهما: الحذف في الكلام، والأصل، عدم الحذف. والثاني: كون المعنى قاصرا على من له حالتان، حالة غنى بماله، وحالة عدم. فيخرج العبيد والإماء، ومن إنكاحه على وليه، كما ذكرنا. * (حتى يغنيهم الله من فضله) * وعد
(٥٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 572 ... » »»