تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٥٦
فالسماوات والأرض، ما استقامتا إلا بالحق والعدل. * (بل أتيناهم بذكرهم) * أي: بهذا القرآن المذكر لهم، بكل خير، الذي به فخرهم، وشرفهم، حين يقومون به، ويكونون به سادة الناس. * (فهم عن ذكرهم معرضون) * شقاوة منهم، وعدم توفيق * (نسوا الله فنسيهم) * * (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) *. فالقرآن ومن جاء به، أعظم نعمة ساقها الله إليهم، فلم يقابلوها إلا بالرد والإعراض، فهل بعد هذا الإيمان حرمان؟ وهل يكون وراءه إلا نهاية الخسران؟ * (أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين) * أي: أو منعهم من اتباعك يا محمد، أنك تسألهم على الإجابة أجرا * (فهم من مغرم مثقلون) * يتكلفون من اتباعك، بسبب ما تأخذ منهم من الأجر والخراج، ليس الأمر كذلك * (فخراج ربك خير وهو خير الرازقين) *، وهذا كما قال الأنبياء لأممهم * (يا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله) *، أي: ليسوا يدعون الخلق، طمعا فيما يصيبهم منهم، من الأموال، وإنما يدعونهم، نصحا لهم، وتحصيلا لمصالحهم، بل كان الرسل، أنصح للخلق من أنفسهم، فجزاهم الله عن أممهم، خير الجزاء، ورزقنا الاقتداء بهم، في جميع الأحوال. * (وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) * ذكر الله تعالى في هذه الآيات الكريمات، كل سبب موجب للإيمان، وذكر الموانع، وبين فسادها، واحدا بعد واحد، فذكر من الموانع أن قلوبهم في غمرة، وأنهم لم يدبروا القول، وأنهم اقتدوا بآبائهم، وأنهم قالوا: برسولهم جنة، كما تقدم الكلام عليها. وذكر من الأمور الموجبة لإيمانهم، تدبر القرآن، وتلقي نعمة الله بالقبول، ومعرفة حال محمد صلى الله عليه وسلم، وكمال صدقه وأمانته، وأنه لا يسألهم عليه أجرا، وإنما سعيه لنفعهم ومصلحتهم، وأن الذي يدعوهم إليه، صراط مستقيم، وسهل على العاملين لاستقامته، موصل إلى المقصود، من قرب، حنيفية سمحة، حنيفية في التوحيد، سمحة في العمل، فدعوتك إياهم إلى الصراط المستقيم، توجب لمن يريد الحق أن يتبعك، لأنه مما تشهد العقول والفطر بحسنه، وموافقته للمصالح، فأين يذهبون إن لم يتابعوك؟ فإنهم ليس عندهم، ما يغنيهم ويكفيهم عن متابعتك، لأنهم * (عن الصراط لناكبون) * متجنبون منحرفون، عن الطريق الموصل إلى الله، وإلى دار كرامته، ليس في أيديهم إلا ضلالات وجهالات. وهكذا كل من خالف الحق، لا بد أن يكون منحرفا في جميع أموره، قال تعالى: * (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) *. * (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون) * هذا بيان لشدة تمردهم، وأنهم إذا أصابهم الضر، دعوا الله أن يكشف عنهم، ليؤمنوا، أو ابتلاهم بذلك، ليرجعوا إليه. إن الله إذا كشف الضر عنهم، لجوا، أي: استمروا في طغيانهم يعمهون، أي: يجولون في كفرهم، حائرين مترددين. كما ذكر الله حالهم عند ركوب الفلك، وأنهم يدعون مخلصين له الدين، وينسون ما يشركون به، فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بالشرك وغيره. * (ولقد أخذناهم بالعذاب) * قال المفسرون: المراد بذلك: الجوع الذي أصابهم سبع سنين، وأن الله ابتلاهم بذلك، ليرجعوا إليه، بالذل والاستسلام، فلم ينجع فيهم، ولا نجح منهم أحد. * (فما استكانوا لربهم) * أي: خضعوا وذلوا * (وما يتضرعون) * إليه ويفتقرون، بل مر عليهم ذلك، ثم زال، كأنه لم يصبهم، لم يزالوا في غيهم وكفرههم، ولكن وراءهم، العذاب الذي لا يرد، وهو قوله: * (حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد) * كالقتل يوم بدر وغيره، * (إذا هم فيه مبلسون) * آيسون من كل خير، قد حضرهم الشر وأسبابه، فليحذروا قبل نزول عذاب الله الشديد، الذي لا يرد، بخلاف مجرد العذاب، فإنه ربما أقلع عنهم، كالعقوبات الدنيوية، التي يؤدب الله بها عباده. قال تعالى فيها: * (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) *. * (وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون) * يخبر تعالى، بمنته على عباده الداعية لهم إلى شكره، والقيام بحقه فقال: * (وهو الذي أنشأ لكم
(٥٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 551 552 553 554 555 556 557 558 559 560 561 ... » »»