وفيه حرج * (أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم) * وهذا من احترازات القرآن العجيبة، فإن قوله: * (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم) * لفظ عام في كل بيت ليس ملكا للإنسان، أخرج منه تعالى البيوت التي ليست ملكه، وفيها متاعه، وليس فيها ساكن، فأسقط الحرج في الدخول إليها. * (والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) * أحوالكم الظاهرة والخفية، وعلم مصالحكم، فلذلك شرع لكم ما تحتاجون إليه وتضطرون، من الأحكام الشرعية. * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) * أي: أرشد المؤمنين، وقل لهم، الذين معهم إيمان، يمنعهم من وقوع ما يخل بالإيمان: * (يغضوا من أبصارهم) * عن النظر إلى العورات وإلى النساء الأجنبيات، وإلى المردان، الذين يخاف بالنظر إليهم الفتنة، وإلى زينة الدنيا التي تفتن، وتوقع في المحذور. * (ويحفظوا فروجهم) * عن الوطء الحرام، في قبل أو دبر، أو ما دون ذلك، وعن التمكين من مسها، والنظر إليها. * (ذلك) * الحفظ للأبصار والفروج * (أزكى لهم) * أطهر، وأطيب، وأنمى لأعمالهم، فإن من حفظ فرجه وبصره، طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش، وزكت أعماله، بسبب ترك المحرم، الذي تطمع إليه النفس وتدعو إليه. فمن ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه، ومن غض بصره، أنار الله بصيرته، ولأن العبد إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته، مع دواعي الشهوة، كان حفظه لغيره أبلغ، ولهذا سماه الله حفظا. فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه، وعمل الأسباب الموجبة لحفظه، لم ينحفظ. كذلك البصر والفرج، إن لم يجتهد العبد في حفظهما، أوقعاه في بلايا ومحن. وتأمل كيف أمر بحفظ الفرج مطلقا، لأنه لا يباح في حالة من الأحوال وأما البصر فقال: * (يغضوا من أبصارهم) * بأداة (من) الدالة على التبعيض. فإنه يجوز النظر في بعض الأحوال، لحاجة كنظر الشاهد والعامل والخاطب، ونحو ذلك. ثم ذكرهم بعلمه بأعمالهم، ليجتهدوا في حفظ أنفسهم من المحرمات. * (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) * لما أمر المؤمنين بغض الأبصار، وحفظ الفروج، أمر المؤمنات بذلك فقال: * (وقل للمؤمنات يغض ضن من أبصارهن) * عن النظر إلى العورات والرجال، بشهوة ونحو ذلك من النظر الممنوع. * (ويحفظن فروجهن) * من التمكين من جماعهن، أو مسهن، أو النظر المحرم إليهن. * (ولا يبدين زينتهن) * كالثياب الجميلة والحلي، وجميع البدن كله من الزينة. ولما كانت الثياب الظاهرة، لا بد لها منها قال: * (إلا ما ظهر منها) * أي: الثياب الظاهرة، التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن في ذلك، ما يدعو إلى الفتنة بها. * (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) * وهذا لكمال الاستتار. ويدل ذلك، على أن الزينة التي يحرم إبداؤها، يدخل فيها جميع البدن، كما ذكرنا. ثم كرر النهي عن إبداء زينتهن، ليستثني منه قوله: * (إلا لبعولتهن) * أي: أزواجهن * (أو آبائهن أو آباء بعولتهن) * يشمل الأب بنفسه، والجد، وإن علا. * (أو إخوانهن أو بني إخوانهن) * أشقاء، أو لأب، أو لأم. * (أو بني أخواتهن أو نسائهن) * أي: يجوز للنساء أن ينظر بعضهن إلى بعض مطلقا. ويحتمل أن الإضافة، تقتضي الجنسية، أي: النساء المسلمات، اللاتي من جنسكن. ففيه دليل لمن قال: إن المسلمة، لا يجوز أن تنظر إليها الذمية. * (أو ما ملكت أيمانهن) * فيجوز للمملوك، إذا كان كله للأنثى، أن ينظر لسيدته، ما دامت مالكة له كله، فإذا زال الملك أو بعضه، لم يجز النظر. * (أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال) * أي: والذين يتبعونكم، ويتعلقون بكم، من الرجال، الذين لا إربة لهم، في هذه الشهوة كالمعتوه الذي لا يدري ما هنالك، وكالعنين الذي لم يبق له شهوة، لا في فرجه، ولا في قلبه، فإن هذا، لا محذور من نظره. * (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) * أي: الأطفال الذين دون التمييز، فإنه يجوز نظرهم للنساء
(٥٦٦)