مع الله آلهة غيره، بلا بينة من أمره، ولا برهان على ذلك، يدل على ما ذهب إليه، وهذا قيد ملازم، فكل من دعا غير الله، فليس له برهان على ذلك، بل دلت البراهين على بطلان ما ذهب إليه، فأعرض عنها ظلما وعنادا، فهذا سيقدم على ربه، فيجازيه بأعماله، ولا ينيله من الفلاح شيئا، لأنه كافر. * (إنه لا يفلح الكافرون) * فكفرهم، منعهم من الفلاح. * (وقل) * داعيا لربك مخلصا له الدين * (رب اغفر) * لنا حتى تنجينا من المكروه، وارحمنا، لتوصلنا برحمتك إلى كل خير. * (وأنت خير الراحمين) * فكل راحم للعبد، فالله خير له منه، أرحم بعبده من الوالدة بولدها، وأرحم به من نفسه. تم تفسير سورة المؤمنون، بفضل الله وإحسانه. سورة النور * (سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون) * أي: هذه * (سورة) * عظيمة القدر * (أنزلناها) * رحمة منا بالعباد، وحفظناها من كل شيطان * (وفرضناها) * أي: قدرنا فيها ما قدرنا، من الحدود والشهادات وغيرها. * (وأنزلنا فيها آيات بينات) * أي: أحكاما جليلة، وأوامر، وزواجر وحكما عظيمة * (لعلكم تذكرون) * حين نبين لكم، ونعلمكم ما لم تكونوا تعلمون. * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * ثم شرع في بيان تلك الأحكام، المشار إليها، فقال: * (الزانية والزاني) * إلى * (من المؤمنين) *. هذا الحكم، في الزاني والزانية البكرين، أنهما يجلد كل منهما مائة جلدة، وأما الثيب، فقد دلت السنة الصحيحة المشهورة، أن حده الرجم. ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة بهما، في دين الله، تمنعنا من إقامة الحد عليهما، سواء رأفة طبيعية أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك، وأن الإيمان، موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة، من إقامة أمر الله. فرحمته حقيقة، بإقامة الحد عليه. فنحن وإن رحمناه، لجريان القدر عليه، فلا نرحمه من هذا الجانب. وأمر تعالى أن يحضر عذاب الزانيين، طائفة، أو جماعة من المؤمنين ليشتهر، ويحصل بذلك، الخزي والارتداع، وليشاهدوا الحد فعلا، فإن مشاهدة أحكام الشرع بالفعل، مما يقوى به العلم، ويستقر به الفهم، ويكون أقرب لإصابة الصواب، فلا يزاد فيه، ولا ينقص. والله أعلم. * (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) * هذا بيان لرذيلة الزنا، وأنه يدنس عرض صاحبه، وعرض من قارنه ومازجه، ما لا يفعله بقية الذنوب. فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء، إلا أنثى زانية، تناسب حاله حالها، أو مشركة بالله، لا تؤمن ببعث ولا جزاء، ولا تلتزم أمر الله. والزانية كذلك، لا ينكحها إلا زان أو مشرك * (وحرم ذلك على المؤمنين) * أي: حرم عليهم أن ينكحوا زانيا، أو ينكحوا زانية. ومعنى الآية: أن من اتصف بالزنا، من رجل أو امرأة، ولم يتب من ذلك، أن المقدم على نكاحه، مع تحريم الله لذلك، لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله، فذاك لا يكون إلا مشركا. وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه، فإن هذا النكاح زنا، والناكح زان مسافح، فلو كان مؤمنا بالله حقا، لم يقدم على ذلك، وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية، حتى تتوب، وكذلك نكاح الزاني حتى يتوب، فإن مقارنة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، أشد الاقترانات، والازدواجات. وقد قال تعالى: * (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) * أي: قرناءهم. فحرم الله ذلك، لما فيه من الشر العظيم. وفيه من قلة الغيرة، وإلحاق الأولاد، الذين ليسوا من الزوج، وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها، مما بعضه كاف في التحريم، وفي هذا دليل، على أن الزاني ليس مؤمنا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فهو وإن لم يكن مشركا، فلا يطلق عليه اسم المدح، الذي هو الإيمان المطلق. * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأول ئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) * لما عظم تعالى أمر
(٥٦١)