تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٥٧
السمع) * لتدركوا به المسموعات فتنتفعوا في دينكم ودنياكم. * (والأبصار) * لتدركوا بها المبصرات، فتنتفعوا بها في مصالحكم. * (والأفئدة) * أي: العقول التي تدركون بها الأشياء، وتتميزون بها عن البهائم. فلو عدمتم السمع، والأبصار، والعقول، بأن كنتم صما عميا بكما ماذا تكون حالكم؟ وماذا تفقدون من ضرورياتكم وكمالكم؟ أفلا تشكرون الذي من عليكم بهذه النعم، فتقومون بتوحيده وطاعته؟ ولكنكم، قليل شكركم، مع توالي النعم عليكم. * (وهو) * تعالى * (الذي ذرأكم في الأرض) * أي: بثكم في أقطارها، وجهاتها، وسلطكم على استخراج مصالحها ومنافعها، وجعلها كافية لمعايشكم، ومساكنكم. * (وإليه تحشرون) * بعد موتكم، فيجازيكم بما عملتم في الأرض، من خير وشر، وتحدث الأرض التي كنتم فيها بأخبارها. * (وهو) * تعالى وحده * (الذي يحيي ويميت) * أي: المتصرف في الحياة والموت، هو الله وحده. * (وله اختلاف الليل والنهار) * أي: تعاقبهما وتناوبهما، فلو شاء أن يجعل النهار سرمدا، من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه؟ ولو شاء أن يجعل الليل سرمدا، من إله غير الله، يأتيكم بضياء أفلا تبصرون؟ ومن رحمته، جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه، ولتبتغوا من فضله، ولعلكم تشكرون. ولهذا قال هنا: * (أفلا تعقلون) * فتعرفون أن الذي وهب لكم، من النعم، السمع، والأبصار، والأفئدة، والذي نشركم في الأرض، وحده، والذي يحيي ويميت، وحده، والذي يتصرف بالليل والنهار، وحده، أن ذلك موجب لكم، أن تخلصوا له العبادة، وحده لا شريك له، وتتركوا عبادة من لا ينفع ولا يضر، ولا يتصرف بشيء، بل هو عاجز من كل وجه، فلو كان لكم عقل، لم تفعلوا ذلك. * (بل قالوا مثل ما قال الأولون * قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون * لقد وعدنا نحن وآبآؤنا ه ذا من قبل إن ه ذآ إلا أساطير الأولين) * أي: بل سلك هؤلاء المكذبون، مسلك الأولين، من المكذبين بالبعث، واستبعدوه غاية الاستبعاد وقالوا: * (أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعثون) * أي: هذا لا يتصور، ولا يدخل العقل، بزعمهم. * (لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل) * أي: ما زلنا نوعد بأن البعث كائن، نحن وآباؤنا، ولم نره، ولم يأت بعد. * (إن هذا إلا أساطير الأولين) * أي: قصصهم وأسمارهم، التي يتحدث بها وتلهى، وإلا فليس لها حقيقة، وكذبوا قبحهم الله فإن الله أراهم، من آياته أكبر من البعث، ومثله، ما قاله الله تعالى: * (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) *. * (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم) * (الآيات) * (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) * (الآيات) * (قل لمن الأرض ومن فيهآ إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنى تسحرون) * أي: قل لهؤلاء المكذبين بالبعث، العادلين بالله غيره، محتجا عليهم بما أثبتوه، وأقروا به، من توحيد الربوبية، وانفراد الله بها على ما أنكروه، من توحيد الإلهية والعبادة، وبما أثبتوه من خلق المخلوقات العظيمة، على ما أنكروه من إعادة الموتى، الذي هو أسهل من ذلك: * (لمن الأرض ومن فيها) * أي: من هو الخالق للأرض، ومن عليها، من حيوان، ونبات، وجماد، وبحار، وأنهار، وجبال، ومن المالك لذلك، المدبر له؟ فإنك إذا سألتهم عن ذلك، لا بد أن يقولوا: الله وحده، فقل لهم إذا أقروا بذلك: * (أفلا تذكرون) * أي: أفلا ترجعون إلى ما ذكركم الله به، مما هو معلوم عندكم، مستقر في فطركم، قد يغيبه الإعراض في بعض الأوقات. الحقيقة أنكم إن رجعتم إلى ذاكرتكم، بمجرد التأمل، علمتم أن مالك ذلك، هو المعبود وحده، وأن إلهية من هو مملوك، أبطل الباطل، ثم انتقل إلى ما هو أعظم من ذلك، فقال: * (قل من رب السماوات السبع) * وما فيها من النيرات، والكواكب السيارات، والثوابت * (ورب العرش العظيم) * الذي هو أعلى المخلوقات وأوسعها وأعظمها؟ فمن الذي خلق ذلك، ودبره، وصرفه بأنواع التدبير؟ * (سيقولون لله) * أي: سيقرون بأن الله رب ذلك كله. قل لهم حين يقرون بذلك: * (أفلا تتقون) * عبادة المخلوقات العاجزة،
(٥٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 552 553 554 555 556 557 558 559 560 561 562 ... » »»