تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٥٥٣
وأخا هارون بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وملئه) * ك (هامان) وغيره من رؤوسائهم. * (فاستكبروا) * أي: تكبروا عن الإيمان بالله، واستكبروا على أنبيائه. * (وكانوا قوما عالين) * أي: وصفهم العلو، والقهر، والفساد في الأرض، فلهذا صدر منهم الاستكبار، ذلك غير مستكثر منهم. * (فقالوا) * كبرا وتيها، وتحذيرا لضعفاء العقول، وتمويها: * (أنؤمن لبشرين مثلنا) * كما قاله من قبلهم سواء بسواء، وتشابهت قلوبهم في الكفر، فتشابهت أقوالهم وأفعالهم، وجحدوا منة الله عليهما بالرسالة. * (وقومهما) * أي: بنو إسرائيل * (لنا عابدون) * أي: معبدون بالأعمال والأشغال الشاقة كما قال تعالى: * (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) *، فكيف نكون تابعين بعد أن كنا متبوعين؟ وكيف يكون هؤلاء رؤوساء علينا؟ ونظير قولهم، قول قوم نوح: * (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) * * (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي) *. من المعلوم أن هذا، لا يصلح لدفع الحق، وأنه تكذيب ومعاندة. ولهذا قال: * (فكذبوهما فكانوا من المهلكين) * في الغرق في البحر، وبنو إسرائيل ينظرون. * (ولقد آتينا موسى) * بعدما أهلك الله فرعون وخلص الشعب الإسرائيلي مع موسى، وتمكن حينئذ، من إقامة أمر الله فيهم، وإظهار شعائره، وعده الله أن ينزل عليه التوراة، أربعين ليلة، ذهب لميقات ربه، قال الله تعالى: * (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء) * ولهذا قال هنا: * (لعلهم يهتدون) * أي: بمعرفة تفاصيل الأمر والنهي، والثواب والعقاب، ويعرفون ربهم، بأسمائه وصفاته. * (وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهمآ إلى ربوة ذات قرار ومعين) * أي: وامتننا على عيسى ابن مريم، وجعلناه وأمه، من آيات الله العجيبة، حيث حملته، وولدته، من غير أب، وتكلم في المهد صبيا، وأجرى الله على يديه من الآيات، ما أجرى. * (وآويناهما إلى ربوة) * أي: مكان مرتفع، وهذا والله أعلم وقت وضعها. * (ذات قرار) * أي: مستقر وراحة * (ومعين) * أي: ماء جار، بدليل قوله: * (قد جعل ربك تحتك) * أي: تحت المكان الذي أنت فيه، لارتفاعه، * (سريا) * أي: نهرا وهو الماء المعين * (وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا * فكلي واشربي وقري عينا) *. * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم * وإن ه ذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون * فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون * فذرهم في غمرتهم حتى حين * أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) * هذا أمر منه تعالى لرسله بأكل الطيبات، التي هي الرزق، والطيب الحلال، والشكر لله، بالعمل الصالح، الذي به يصلح القلب والبدن، والدنيا والآخرة. ويخبرهم أنه بما يعملون عليم، فكل عمل عملوه، وكل سعي اكتسبوه، فإن الله يعلمه، وسيجازيهم عليه، أتم الجزاء وأفضله. فدل هذا على أن الرسل كلهم، متفقون على إباحة الطيبات، من المآكل وتحريم الخبائث منها، وأنهم متفقون على كل عمل صالح، وإن تنوعت بعض أجناس المأمورات، واختلفت بها الشرائع، فإنها كلها عمل صالح ولكن تتفاوت بتفاوت الأزمنة. ولهذا، الأعمال الصالحة، التي هي صلاح في جميع الأزمنة، قد اتفقت عليها الأنبياء والشرائع، كالأمر بتوحيد الله، وإخلاص الدين له، ومحبته، وخوفه، ورجائه، والبر، والصدق، والوفاء بالعهد، وصلة الأرحام، وبر الوالدين والإحسان إلى الضعفاء والمساكين، واليتامى، والحنو والإحسان إلى الخلق، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، ولهذا كان أهل العلم، والكتب السابقة، والعقل، حين بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، يستدلون على نبوته بأجناس ما يأمر به، وينهى عنه. كما جرى لهرقل وغيره، فإنه إذا أمر بما أمر به الأنبياء، الذين من قبله، ونهى عما نهوا عنه، دل على أنه من جنسهم، بخلاف الكذاب، فلا بد أن يأمر بالشر، وينهى عن الخير. ولهذا قال تعالى للرسل: * (وإن هذه أمتكم) * أي: جماعتكم يا معشر الرسل * (أمة واحدة) * متفقة على دين واحد، وربكم واحد. * (فاتقون) * بامتثال أوامري، واجتناب زواجري، وقد أمر الله المؤمنين، بما أمر به المرسلين، لأنهم بهم يقتدون، وخلفهم يسلكون، فقال: * (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون) * فالواجب على كل المنتسبين إلى الأنبياء وغيرهم، أن يمتثلوا هذا، ويعملوا به، ولكن أبى الظالمون الجاحدون، إلا عصيانا، ولهذا قال: * (فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا) * أي: تقطع المنتسبون إلى اتباع الأنبياء * (أمرهم) * أي: دينهم * (بينهم زبرا) * أي: قطعا * (كل حزب بما لديهم) *
(٥٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 548 549 550 551 552 553 554 555 556 557 558 ... » »»