* (تجري في البحر بأمره) * تحملكم، وتحمل تجاراتكم، وتوصلكم من محل إلى محل، وتستخرجون من البحر، حلية تلبسونها. ومن رحمته بكم أنه * (يمسك السماء أن تقع على الأرض) * فلولا رحمته وقدرته، لسقطت السماء على الأرض، فتلف ما عليها، وهلك من فيها * (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إن الله كان حليما غفورا) *. * (إن الله بالناس لرؤوف رحيم) * أرحم بهم من والديهم، ومن أنفسهم، ولهذا يريد لهم الخير، ويريدون لأنفسهم الشر والضر. ومن رحمته، أن سخر لهم، ما سخر من هذه الأشياء. * (وهو الذي أحياكم) * وأوجدكم من العدم * (ثم يميتكم) * بعد أن أحياكم. * (ثم يحييكم) * بعد موتكم، ليجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. * (إن الإنسان) * أي: جنسه، إلا من عصمه الله * (لكفور) * لنعم الله، كفور بالله، لا يعترف بإحسانه، بل ربما كفر بالبعث وقدرة ربه. * (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير) * يخبر تعالى أنه جعل لكل أمة * (منسكا) * أي: معبدا وعبادة، قد تختلف في بعض الأمور، مع اتفاقها على العدل والحكمة، كما قال تعالى: * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم) * الآية. * (هم ناسكوه) * أي: عاملون عليه، بحسب أحوالهم، فلا اعتراض على شريعة من الشرائع، خصوصا من الأميين، أهل الشرك، والجهل المبين. فإنه إذا ثبت رسالة الرسول بأدلتها، وجب أن يتلقى جميع ما جاء به بالقبول والتسليم، وترك الاعتراض، ولهذا قال: * (فلا ينازعنك في الأمر) * أي: لا ينازعك المكذبون لك، ويعترضوا على بعض ما جئتهم به، بعقولهم الفاسدة، مثل منازعتهم في حل الميتة، بقياسهم الفاسد يقولون: (تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتل الله). وكقولهم: * (إنما البيع مثل الربا) * ونحو ذلك من اعتراضاتهم، التي لا يلزم الجواب عن أعيانها، وهم منكرون لأصل الرسالة، وليس فيها مجادلة ومحاجة بانفرادها، بل لكل مقام مقال. فصاحب هذا الاعتراض، المنكر لرسالة الرسول، إذا زعم أنه يجادل ليسترشد، يقال له: الكلام معك في إثبات الرسالة وعدمها، وإلا، فالاقتصار على هذه، دليل على أن مقصوده، العنت والتعجيز، ولهذا أمر الله رسوله، أن يدعو إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ويمضي على ذلك، سواء اعترض المعترضون أم لا، وأنه لا ينبغي أن يثنيك، عن الدعوة شيء لأنك * (على هدى مستقيم) * أي: معتدل موصل للمقصود، متضمن علم الحق والعمل به، فأنت على ثقة من أمرك، ويقين من دينك، فيوجب ذلك لك الصلابة والمضي لما أمرك به ربك، ولست على أمر مشكوك فيه، أو حديث مفترى، فتقف مع الناس، ومع أهوائهم، وآرائهم، ويوقفك اعتراضهم. ونظير هذا قوله تعالى: * (فتوكل على الله إنك على الحق المبين) *. مع أن في قوله: * (إنك لعلى هدى مستقيم) * إرشادا لأجوبة المعترضين، على جزئيات الشرع، بالعقل الصحيح، فإن الهدى، وصف لكل ما جاء به الرسول. والهدى: ما تحصل به الهداية، في مسائل الأصول والفروع، وهي المسائل التي يعرف حسنها، وعدلها، وحكمتها، بالعقل، والفطرة السليمة، وهذا يعرف بتدبر تفاصيل المأمورات والمنهيات. ولهذه أمره الله بالعدول عن جدالهم في هذه الحالة فقال: * (وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون) * أي: هو عالم بمقاصدكم، ونياتكم، فمجازيكم عليها وهو * (يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون) *. فمن وافق الصراط المستقيم، فهو من أهل النعيم، ومن زاغ عنه، فهو من أهل الجحيم، ومن تمام حكمه، أن يكون حكما بعلم، فلذلك ذكر إحاطة علمه، وإحاطة كتابه فقال: * (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض) * لا يخفى عليه منها خافية، من ظواهر الأمور، وبواطنها، خفيها، وجليها، متقدمها، ومتأخرها، ذلك العلم المحيط بما في السماء والأرض قد أثبته الله في كتاب، وهو اللوح المحفوظ، حين خلق الله القلم قال له: * (اكتب) * قال: ما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة). * (ان ذلك على الله يسير) * وإن كان تصوره عندكم لا يحاط به، فالله تعالى يسير عليه أن يحيط علما بجميع الأشياء، وأن يكتب ذلك في كتاب مطابق للواقع. * (ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير) * يذكر تعالى حالة المشركين به، العادلين به غيره، وأن حالهم أقبح الحالات، وأنه لا مستند لهم على ما فعلوه، فليس لهم به علم، وإنما هو تقليد، تلقوه عن آبائهم الضالين، وقد يكون الإنسان لا علم عنده بما فعله، وهو في نفس الأمر له حجة ما علمها. فأخبر هنا، أن الله لم ينزل في ذلك سلطانا، أي: حجة تدل عليه، ويجوزه، بل قد أنزل البراهين القاطعة، على فساده، وبطلانه، ثم توعد الظالمين منهم المعاندين للحق فقال: * (وما للظالمين من نصير) * ينصرهم من عذاب الله، إذا نزل بهم وحل. وهل لهؤلاء، الذين لا علم لهم بما هم عليه، قصد في اتباع
(٥٤٥)