مقتدرة بعددها أو عددها، أو مالها، أو علمها، أو خدمتها. فتراعي الحكومات، مصالح ذلك الشعب، الدينية والدنيوية، وتخشى إن لم تفعل ذلك، أن يختل نظامها، وتفقد بعض أركانها، فيقوم من أمر الدين بهذا السبب ما يقوم، خصوصا المساجد، فإنها ولله الحمد في غاية الانتظام، حتى في عواصم الدول الكبار. وتراعي تلك الدول، الحكومات المستقلة، نظرا لخواطر رعاياهم المسلمين مع وجود التحاسد والتباغض بين دول النصارى، الذي أخبر الله أنه لا يزال إلى يوم القيامة، فتبقى الحكومة المسلمة، التي لا تقدر على أن تدافع عن نفسها، سالمة من كثير ضررهم، لقيام الحسد عندهم، وفيما بينهم. فلا يقدر أحدهم، أن يمد يده عليها، خوفا من احتمائها بالآخر مع أن الله تعالى، لا بد أن يري عباده من نصر الإسلام والمسلمين، ما قد وعد به في كتابه. وقد ظهرت ولله الحمد، أسبابه، بشعور المسلمين بضرورة رجوعهم إلى دينهم، والشعور مبدأ العمل فنحمده، ونسأله أن يتم نعمته. ولهذا قال في وعده الصادق المطابق للواقع: * (ولينصرن الله من ينصره) *، أي: يقوم بنصر دينه، مخلصا له في ذلك، يقاتل في سبيله، لتكون كلمة الله هي العليا. * (إن الله لقوي عزيز) * أي: كامل القوة، عزيز لا يرام، قد قهر الخلائق، وأخذ بنواصيهم. فأبشروا، يا معشر المسلمين، فإنكم، وإن ضعف عددكم، وعددكم وقوي عدد عدوكم، فإن ركنكم، القوي العزيز، ومعتمدكم على من خلقكم وخلق ما تعملون، فاعملوا بالأسباب المأمور بها، ثم اطلبوا منه نصركم، فلا بد أن ينصركم. * (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) * وقوموا، أيها المسلمون، بحق الإيمان والعمل الصالح، فقد * (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا) *. ثم ذكر علامة من ينصره، وبها يعرف، أن من ادعى أنه ينصر الله، وينصر دينه، ولم يتصف بهذا الوصف، فهو كاذب فقال: * (الذين إن مكناهم في الأرض) * أي: ملكناهم إياها، وجعلناهم المتسلطين عليها، من غير منازع ينازعهم، ولا معارض. * (أقاموا الصلاة) * في أوقاتها، وحدودها، وأركانها، وشروطها، في الجمعة والجماعات. * (وآتوا الزكاة) * التي عليهم، خصوصا، وعلى رعيتهم عموما، آتوها أهلها، الذين هم أهلها. * (وأمروا بالمعروف) * وهذا يشمل كل معروف حسنه شرعا وعقلا، من حقوق الله، وحقوق الآدميين. * (ونهوا عن المنكر) * كل منكر شرعا وعقلا، معروف قبحه، والأمر بالشيء والنهي عنه، يدخل فيه، ما لا يتم إلا به، فإذا كان المعروف والمنكر، يتوقف على تعلم وتعليم، أجبروا الناس على التعلم والتعليم، وإذا كان يتوقف، على تأديب مقدر شرعا، أو غير مقدر، كأنواع التعزير، قاموا بذلك، وإذا كان يتوقف على جعل أناس، متصدين له، لزم ذلك، ونحو ذلك مما لا يتم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إلا به. * (ولله عاقبة الأمور) * أي: جميع الأمور، ترجع إلى الله، وقد أخبر أن العاقبة للتقوى. فمن سلطه أي: على العباد، من الملوك، وقام بأمر الله، كانت له العاقبة الحميدة، والحالة الرشيدة. ومن تسلط عليهم، بالجبروت، وأقام فيهم هوى نفسه، فإنه، وإن حصل له ملك موقت، فإن عاقبته غير حميدة، فولايته مسؤومة، وعاقبته مذمومة. * (وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود * وقوم إبراهيم وقوم لوط * وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير * فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد * أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بهآ أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ول كن تعمى القلوب التي في الصدور) * يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإن يكذبك هؤلاء المشركون فلست بأول رسول كذب، وليسوا بأول أمة، كذبت رسولها. * (فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين) * أي: قوم شعيب. * (وكذب موسى فأمليت للكافرين) * المكذبين، فلم أعاجلهم بالعقوبة بل أمهلتهم، حتى استمروا في طغيانهم يعمهون، وفي كفرهم
(٥٤٠)