الساعة بغتة) * أي: مفاجأة * (أو يأتيهم عذاب يوم عقيم) * أي: لا خير فيه، وهو يوم القيامة. فإذا جاءتهم الساعة، أو أتاهم ذلك اليوم، علم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين، وندموا، حيث لا ينفعهم الندم، وأبلسوا، وأيسوا من كل خير، وودوا، لو آمنوا بالرسول، واتخذوا معه سبيلا. ففي هذا، تحذيرهم من إقامتهم على مريتهم وفريتهم. * (الملك يومئذ) * أي: يوم القيامة * (لله) * تعالى، لا لغيره. * (يحكم بينهم) * بحكمه العدل، وقضائه الفصل. * (فالذين آمنوا) * بالله ورسوله، وما جاؤوا به * (وعملوا الصالحات) * ليصدقوا بذلك إيمانهم * (في جنات النعيم) * نعيم القلب، والروح، والبدن، مما لا يصفه الواصفون، ولا تدركه العقول. * (والذين كفروا) * (بالله ورسله) * (وكذبوا بآياتنا) * الهادية للحق والصواب فأعرضوا عنها، أو عاندوها. * (فأولئك لهم عذاب مهين) * لهم، من شدته، وألمه، وبلوغه للأفئدة كما استهانوا برسله وآياته، أهانهم الله بالعذاب. * (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم) * هذه بشارة كبرى، لمن هاجر في سبيل الله، فخرج من داره، ووطنه، وأولاده، وماله ابتغاء وجه الله، ونصرة لدين الله، فهذا قد وجب أجره على الله، سواء مات على فراشه، أو قتل مجاهدا في سبيل الله. * (ليرزقنهم الله رزقا حسنا) * في البرزخ، وفي يوم القيامة بدخول الجنة الجامعة، للروح والريحان، والحسن والإحسان، ونعيم القلب والبدن، أو يحتمل أن المراد: أن المهاجر في سبيل الله، قد تكفل الله برزقه في الدنيا، رزقا واسعا حسنا، سواء علم الله منه أنه يموت على فراشه، أو يقتل شهيدا، فكلهم مضمون له الرزق. فلا يتوهم أنه إذا خرج من دياره وأمواله، سيفتقر ويحتاج، فإن رازقه هو خير الرازقين، وقد وقع كما أخبر، فإن المهاجرين السابقين، تركوا ديارهم، وأبناءهم وأموالهم، نصرة لدين الله، فلم يلبثوا إلا يسيرا، حتى فتح الله عليهم البلاد، ومكنهم من العباد فاجتبوا من أموالها، ما كانوا به من أغنى الناس. ويكون على هذا القول، قوله: * (ليدخلنهم مدخلا يرضونه) *، إما ما يفتح الله عليهم من البلدان، خصوصا فتح مكة المشرفة، فإنهم دخلوها في حالة الرضا والسرور، وإما المراد به، رزق الآخرة، وأن ذلك، دخول الجنة. فتكون الآية جمعت بين الرزقين، رزق الدنيا، ورزق الآخرة، واللفظ صالح لذلك كله، والمعنى صحيح، فلا مانع، من إرادة الجميع. * (وإن الله لعليم) * بالأمور، ظاهرها، وباطنها، متقدمها، ومتأخرها. * (حليم) * يعصيه الخلائق، ويبارزونه بالعظائم، وهو لا يعاجلهم بالعقوبة مع كمال اقتداره، بل يواصل لهم رزقه، ويسدي إليهم، فضله. * (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور) * ذلك بأن من جني عليه وظلم، فإنه يجوز له مقابلة الجاني، بمثل جنايته، فإن فعل ذلك، فليس عليه سبيل، وليس بملوم، فإن بغي عليه بعد هذا، فإن الله ينصره، لأنه مظلوم، فلا يجوز أن يبغى عليه، بسبب أنه استوفى حقه. وإذا كان المجازي غيره، بإساءته إذا ظلم بعد ذلك، نصره الله، فالذي بالأصل لم يعاقب أحدا إذا ظلم، وجنى عليه، فالنصر إليه أقرب. * (إن الله لعفو غفور) * أي: يعفو عن المذنبين، فلا يعاجلهم بالعقوبة، ويغفر ذنوبهم، فيزيلها، ويزيل آثارها عنهم. فالله هذا وصفه المستقر اللازم الذاتي، ومعاملته لعباده في جميع الأوقات بالعفو، والمغفرة. فينبغي لكم أيها المظلومون المجني عليهم، أن تعفوا، وتصفحوا، وتغفروا ليعاملكم الله، كما تعاملون عباده * (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) *. * (ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير * ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير) * ذلك الذي شرع لكم تلك الأحكام الحسنة العادلة، هو حسن التصرف، في تقديره، وتدبيره، الذي * (يولج الليل في النهار) * أي: يدخل هذا على هذا، وهذا على هذا.
فيأتي بالليل بعد النهار، وبالنهار بعد الليل، ويزيد في أحدهما، ما ينقصه، من الآخر، ثم بالعكس، فيترتب على ذلك، قيام الفصول، ومصالح الليل والنهار، والشمس والقمر، التي هي من أجل نعمه على العباد، وهي من الضروريات لهم. * (وإن الله سميع) * يسمع ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات. * (بصير) * يرى دبيب النملة السوداء، تحت الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء * (سواء منكم من أسر القول، ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) *.