* (ذلك) * صاحب الحكم والأحكام، * (بأن الله هو الحق) * أي: الثابت، الذي لا يزال ولا يزول، الأول، الذي ليس قبله شيء، الآخر، الذي ليس بعده شيء، كامل الأسماء والصفات، صادق الوعد، الذي وعده حق ولقاؤه حق، ودينه حق، وعبادته هي الحق النافعة الباقية على الدوام. * (وأن ما يدعون من دونه) * من الأصنام والأنداد، من الحيوانات والجمادات. * (هو الباطل) * الذي، هو باطل في نفسه، وعبادته باطلة، لأنها متعلقة بمضمحل فان، فتبطل تبعا لغايتها ومقصودها. * (وأن الله هو العلي الكبير) * العلي في ذاته، فهو عال على جميع المخلوقات وفي قدره، فهو كامل الصفات، وفي قهره لجميع المخلوقات، الكبير في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، الذي من عظمته وكبريائه، أن الأرض قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه. ومن كبريائه، أن كرسيه، وسع السماوات والأرض، ومن عظمته وكبريائه، أن نواصي العباد بيده، فلا يتصرفون إلا بمشيئته، ولا يتحركون ويسكنون، إلا بإرادته. وحقيقة الكبرياء، التي لا يعلمها إلا هو، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، أنها كل صفة كمال وجلال، وكبرياء، وعظمة، فهي ثابتة له، وله من تلك الصفة، أجلها وأكملها، ومن كبريائه، أن العبادات كلها، الصادرة من أهل السماوات والأرض، كلها المقصود منها، تكبيره وتعظيمه، وإجلاله وإكرامه. ولهذا كان التكبير، شعارا للعبادات الكبار، كالصلاة وغيرها. * (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد) * هذا، حث منه تعالى، وترغيب في النظر بآياته الدالة على وحدانيته، وكماله فقال: * (ألم تر) * أي: ألم تشاهد ببصرك وبصيرتك * (أن الله أنزل من السماء ماء) * وهو: المطر، فينزل على أرض خاشعة مجدبة، قد اغبرت أرجاؤها، ويبس ما فيها، من شجر، ونبات. * (فتصبح الأرض مخضرة) * قد اكتست من كل زوج كريم، وصار لها بذلك، منظر بهيج، إن الذي أحياها بعد موتها وهمودها، لمحيي الموتى، بعد أن كانوا رميما. * (إن الله لطيف خبير) * اللطيف الذي يدرك بواطن الأشياء، وخفياتها، وسرائرها، الذي يسوق إلى عباده الخير، ويدفع عنهم الشر، بطرق لطيفة تخفى على العباد، ومن لطفه، أنه يرى عبده، عزته في انتقامه وكمال اقتداره، ثم يظهر لطفه بعد أن أشرف العبد على الهلاك. ومن لطفه، أنه يعلم مواقع القطر من الأرض، وبذور الأرض في بواطنها، فيسوق ذلك الماء، إلى ذلك البذر، الذي خفي على علم الخلائق فينبت منه أنواع النبات. * (خبير) * بسرائر الأمور، وخبايا الصدور، وخفايا الأمور. * (له ما في السماوات وما في الأرض) * خلقا وعبيدا، يتصرف فيهم بملكه وحكمته، وكمال اقتداره، ليس لأحد غيره من الأمر شيء. * (وإن الله لهو الغني) * بذاته الذي له الغنى المطلق التام، من جميع الوجوه. ومن غناه، أنه لا يحتاج إلى أحد من خلقه، ولا يواليهم من ذلة، و يتكثر بهم من قلة. ومن غناه، أنه ما اتخذ صاحبة ولا ولدا، ومن غناه، أنه صمد، لا يأكل ولا يشرب، ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الخلق، بوجه من الوجوه، فهو يطعم ولا يطعم، ومن غناه، أن الخلق كلهم، مفتقرون إليه، في إيجادهم، وإعدادهم، وإمدادهم، وفي دينهم، ودنياهم، ومن غناه، أنه لو اجتمع من في السماوات ومن في الأرض، الأحياء منهم والأموات، في صعيد واحد، فسأل كل منهم ما بلغت أمنيته، فأعطاهم فوق أمانيهم، ما نقص ذلك من ملكه شيئا، ومن غناه أن يده سحاء بالخير والبركات، الليل والنهار، لم يزل إفضاله على الأنفاس. ومن غناه وكرمه، ما أودعه في دار كرامته، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. * (الحميد) * أي: المحمود في ذاته، وفي أسمائه، لكونها حسنى، وفي صفاته، لكونها كلها صفات كمال، وفي أفعاله، لكونها دائرة بين العدل والإحسان، والرحمة، والحكمة. وفي شرعه، لكونه لا يأمر إلا بما فيه مصلحة خالصة، أو راجحة، ولا ينهى إلا عما فيه، مفسدة خالصة أو راجحة، الذي له الحمد، الذي يملأ ما في السماوات والأرض، وما بينهما، وما شاء بعدهما، الذي لا يحصي العباد ثناء على حمده، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده، وهو المحمود على توفيق من يوفقه، وخذلان من يخذله، وهو الغني في حمده، الحميد في غناه. * (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم * وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور) * أي: ألم تشاهد ببصرك وقلبك، نعمة ربك السابغة، وأياديه الواسعة. * (أن الله سخر لكم ما في الأرض) * من حيوانات، ونبات، وجمادات، فجميع ما في الأرض، مسخر لبني آدم، حيواناتها، لركوبه، وحمله، وأعماله، وأكله، وأنواع انتفاعه، وأشجارها، وثمارها، يقتاتها، وقد سلط على غرسها واستغلالها، ومعادنها، يستخرجها، وينتفع بها. * (والفلك) * أي: وسخر لكم الفلك، وهي السفن
(٥٤٤)